صدر للدكتور مصطفى الشاوي كتاب نقدي تحت عنوان (جمالية المتخيل في شعر خالد شوملي) طبعة مارس 2019 عن مطبعة بلال بفاس، امتد عبر 290 صفحة، يتناول فيه بالدراسة والتحليل النص الشعري المعاصر، ممثلا في تجربة الشاعر خالد شوملي، باعتبارها تجربة دالة وذات خصوصية، قلما تتوفر في كثير من التجارب الشعرية، سواء في فلسطين أو خارجها، على أهمية وجدارة الكثير منها.
ويضم الكتاب مختلف القراءات التي شكلت فصوله، والتي رامت التحقق تحققا فعليا، باعتبارها قراءات استندت في طرحها النظري العام إلى نظرية جمالية التلقي والتجاوب، والتي احتفت بالقارئ باعتباره بعدا أساسيا من أبعاد النص، وقطبا جماليا مهما مكملا له، على اختلاف أشكاله وأنواعه. وأبت كل قراءة إلا أن تنطلق من افتراضات أولية في التمهيد، لتمر بعد ذلك إلى العتبات، وإلى البناء الفني للنصوص المشكلة لكل ديوان على حدة، بوصف وفهم وتحليل وتأويل أهم مظاهرها الكبرى وأجل ظواهرها المهيمنة مبنى ومعنى.
وتم تناول المتن الشعري من منظورات تحليلية متباينة، حاول الكاتب في ضوئها التركيز في كل فصل على خاصية من خصائص النص الشعري في علاقتها بالرؤيا الشعرية، التي تهيمن على الديوان المقروء، ورام الكتاب تنويع منظورات التحليل لتأكيد فرضية قابلية انفتاح النص الشعري على قراءات متعددة، وللبرهنة على عمق المتخيل الشعري الحديث عند الشاعر.
تناول الفصل الأول تمظهرات الصمت والصوت والصدى في ديوان (لمن تزرع الورد؟) باعتبارها بنيات دالة، مؤكدا هيمنتها على المتن الشعري المقروء، ومستدلا على تفاعلها بقوة في المتخيل الشعري عند الشاعر خالد شوملي من خلال ثلاثة عناصر تكوينية، ممثلة في بنية الانكسار أو الصوت، وبنية الأرض أو الوجود، وبنية الوصل أو الحنين.
واختص الفصل الثاني بتحليل ديوان (سكر الكلمات) من منظور فرضية التفاعل القوي بين القصيد والوطن وانصهارهما في بوثقة الذات، وبين كيف يسمو الشاعر بشعره ويرقى إلى مقامات الحب والجمال، من داخل عالمه الشعري، واستدل على ذلك بإبراز اتساق المتباين وشعرية الدال في المحور الأول، وروح المحبة والشعر في الثاني، ووحدة الوجود في الثالث.
وعالج الفصل الثالث دوائر المتخيل الشعري في ديوان (معلقة في دخان الكلام) بقراءة تمحورت حول الكشف عن مدلول النسيج الفكري والفني المشكل لمختلف قصائد الديوان، من خلال ثلاث دوائر أساسية،؛ دائرة الزمن أو اللحظة الشعرية، دائرة الوطن أو الفضاء النصي، ودائرة الذات أو العالم الشعري.
في حين رام الفصل الرابع مقاربة رؤيا العالم الشعري في ديوان (أنا لا أريد قصائد منفى) من خلال مقاربة طبيعة الرؤيا عند الشاعر من خلال ثلاث خصائص هي؛ التفرد في مقام الذات، والتعدد في مقام الكون، والتمرد في مقام القول. وقارب الفصل الخامس ديوان (ضيق منفاك) من منظور جدلية التشاكل والتباين، من خلال ثلاثة أنواع محورية؛ التشاكل التكراري، والتشاكل التماثلي، والتشاكل التعارضي.
وساءل الفصل السادس مقروئية شعر الأطفال في ديوان (أرجوحة فرح)، الذي خص به الشاعر خالد شوملي الأطفال، رغبة في القبض على أهم مظاهره الجمالية، من خلال انفتاح عناوين النصوص الشعرية المشكلة للديوان على عالم الطفل بمختلف أفضيته ومكوناته وأرجوحاته، فوقفت المقاربة عند البعد التربوي ممثلا في روح القيم، والبعد الفني ممثلا في الانسجام، والبعد الجمالي ممثلا في المقروئية.
وعزف الدارس في الفصل السابع على وتر تناغم الرمز والمعنى في ديوان (نهر وضفاف) فوقف عند الاتساق على مستوى النص والمبنى، والتفاعل على مستوى الرمز والمعنى، والتناغم على مستوى الوزن والمعنى.وبين كيف أن المبنى يؤشر مسبقا على المعنى الجمالي المحتمل. وكيف أن الرمز في الديوان المقروء يتشكل وفق أبعاده المختلفة. وكيف يشتغل الشاعر على اللغة الشعرية، وهو على وعي مسبق بأهمية المقوم الغنائي والموسيقي في الشعر، وخُتم الكتاب بجملة خلاصات واستنتاجات.
وبدا جليا أن المتخيل الشعري في شعر خالد شوملي تأرجح بيني بين الذات والآخر على مستويات متعددة، وهو تأرجح يهيمن على المدلول الشعري لنصوص ودواوين الشاعر مما يجعلها خاصية مميزة لتجربته، وهي خاصية قد يتقاطع فيها مع غيره كما قد يتفرد في بعض جزئياتها،فالشاعر يسعى إلى إعادة المعنى للأشياء من خلال إعادة تأثيث العناصر المشكلة لعوالم النصوص الشعرية بطريقة فنية وجمالية قوامها اللغة،بحيث يذوبُ في مستحضراته بوسائل وتقنيات تجعل الذات الشاعرة عنصرا متناغما مع مختلف العناصر التي يسعى إلى جعلها غير قابلة للتصنيف أو التحديد أو التأطير التام،كما يجعلها مفتوحة على بعضها البعض، دالا ومدلولا قراءة وتأويلا.