مرتكزات تقوية وتحصين الحقل الفني في وجه تحديات الذكاء الاصطناعي
ضمن سياق عالمي يتسم بتسارع المستجدات المعرفية والتكنولوجية والصناعية التي ترخي بظلالها على حقل الممارسات الفنية الثقافية عموما، وعلى وضعية الفنان التشكيلي – le statut de l’artiste – داخل المجتمع، باعتباره أحد الفاعلين الأساسيين في إنتاج القيم الإبداعية والجمالية والفكرية، وفي مستوى ثان بوصفه منتجا أساسيا في المجتمع الاقتصادي وفي حقل الصناعات الثقافية والإبداعية،
وسعيا من الفنانين التشكيليين بالمغرب بمختلف ممارساتهم وتعابيراتهم الفنية والجمالية والتخصصية، بمن فيهم المشتغلون في حقل تصميم المنتجات والتصميم المعماري والتواصلي والإبداعي، في المساهمة في إعادة ترتيب المحيط العام بما يتلاءم مع المعايير العالمية المستجدة ذات الصلة بمهن الفن، وتفعيلا للبرنامج الثقافي والفني للنقابة المغربية للفنانين التشكيلين المحترفين،
وبعد المناظرة الوطنية الأولى حول وضعية الفنون التشكيلية بالمغرب التي نظمت في دجنبر 2018، تأتي المناظرة الوطنية الثانية حول الفنون التشكيلية والبصرية وصناعة المستقبل التي نظمتها النقابة المغربية للفنانين التشكيلين المحترفين يوم 20 نونبر 2024 بشراكة ودعم من وزارة الشباب والثقافة والاتصال وبتعاون مع المؤسسة الوطنية للمتاحف، والتي توجت سلسلة من اللقاءات المحلية والجهوية والإقليمية عقدتها النقابة بعدد من المدن المغربية، وفتحت خلالها نقاشات ومحطات تشاورية مع عدد هام من الممارسين والفاعلين في الحقل التشكيلي والبصري. ووفق هذا المسار، عملت النقابة على تأسيس مرصد وطني مغربي للفن التشكيلي يضم خبراء في الفنون والثقافة والتربية والتعليم والبحث والنقد الفني وفعاليات فكرية تنتسب إلى مرجعيات مختلفة وتمثل حساسيات ثقافية متعددة.
لقد أجمع المتدخلون على حقيقة هيمنة التكنولوجيا على كافة مظاهر حياة ووجود الإنسان المعاصر، بل باتت واقعا فعليا وحقيقة مؤكدة لا تحتاج إلى بيان أو برهان. حيث صار الإنسان في قبضة التقنية وعلامة “الحياة اللاإنسانية الجذرية” La radicale inhumanité التي صار الإنسان المعاصر يعيش في ظلها، والتي تحوله بسرعة متواترة إلى مجرد عنصر في منظومة تقنية شاملة يحكمها حسب تعبير هايدغر “فكر تقني يفكر من خلال نماذج نمطية، ولا يعرف طابعه الإجرائي الوظيفي حدا ولا شرطا”، واليوم لم يعد بمقدور أحد أن يقول بأن هذه مجرد نبوءة كاذبة أو مجرد فكرة من بنات أفكار الخيال العلمي، بل أضحت تشكل العناصر الأساسية والمصاحبة لهوية الإنسان ولعلاقاته بالآخر والمحيط والكون.
لقد مكنت هذه المناظرة كل المساهمين والمشاركين في فعالياتها من فتح نقاش علمي وثقافي وإبداعي موسع حول سبل تقوية وتحصين حقل الفنون التشكيلية والبصرية المعاصرة في المغرب ودراسة أهم أسئلته وقضاياه، أهمها آفاق تطوير الصناعات الثقافية أو الصناعات الإبداعية، والتفكير في سبل وآليات ربطها بالسياسات العمومية في مجال الاقتصاد والتربية والثقافة والإعلام والبحث العلمي.
في ظل ما يعرفه عصرنا من تطورات هائلة على مستوى التكنولوجيا الذكية والكمية، و”النانوميترية”، والجينومية المرتبطة أساسا بالذكاء الاصطناعي، وفي ظل مختلف التحولات البنيوية التي تعرفها البشرية، حيث يعيد هذا الذكاء تشكيل أنماط حياتها ومجالاتها الحيوية المختلفة بشكل جذري، كما يعيد من جديد، صياغة ثقافاتها المختلفة، ومعارفها وأنماط تفكيرها، ومن باب الاستشراف المنطقي الذي يرتبط بالمستجدات التكنولوجية الجديدة، جاءت الحاجة لمراجعة وتحيين عديد المفاهيم والممارسات المتصلة بالحقل الفني والتشكيلي والبصري، بما ينسجم ويستجيب لمتطلبات زمن “الذكاء الاصطناعي” وتحديات القرن 21 .
تتطلع النقابة المغربية للفنانين التشكيليين المحترفين خلال هذه المناظرة إلى تحقيق جملة من الأهداف الفرعية المتمثلة فيما يلي:
في البعد السياسي والاستراتيجي:
- تقييم السياسات العمومية في علاقتها بحقل الفنون التشكيلية والبصرية في ظل زمن الذكاء الاصطناعي؛
- ترصيد التجارب وتثمين البرامج الناجحة ذات الصلة بالفنون التشكيلية والبصرية ضمن منظور تطويري جديد يتلاءم وتطور المفاهيم والمقاربات المعمول بها عالميا؛
- تعزيز المقاربة التشاورية بين الممارسين والمسؤولين لصالح قطاع الفن التشكيلي والبصري،
- بلورة المداخل الأساسية الكفيلة بتطوير الأطر المرجعية لحقل الفنون التشكيلية والبصرية وشروط ممارسة مهنه وآليات تدبير بنياته؛
في البعد العلمي والتربوي والثقافي:
- تعزيز مقومات السياسة الثقافية عبر الاهتمام وتطوير ودعم حقل الفنون التشكيلية والبصرية بالبلاد ودعم السياسة الخارجية للمغرب ثقافيا وفنيا والإسهام في تعزيز الدبلوماسية الثقافية؛
- المساهمة في الارتقاء بالشأن التربوي والتعليمي والبيداغوجي والتكويني والبحثي الوطني، في مجال التعليم الفني والثقافي والجمالي المدرسي والجامعي والمهني؛
- المساهمة في انعاش الحقل الثقافي الوطني وتنويع مداخله ومخارجه، سواء عبر المنشور أو المرئي أو الانشطة والفعاليات ذات المنفعة العامة؛
في البعد القانوني والاقتصادي:
- النهوض والارتقاء بالصناعات الإبداعية والثقافية وربطها بالمؤشرات الاقتصادية وسوق المال والأعمال؛
- فتح آفاق إنشاء أنوية صناعية فنية تعزز الصناعات الإبداعية وتقوي النسيج الصناعي والاقتصادي؛
- تطوير المقاربات القانونية والتنظيمية المؤطرة لمهن وأعمال سوق الفن التشكيلي والبصري وممارسات مهنه؛
- تفعيل آليات تدعيم الديموقراطية التشاركية عبر الارتقاء بالقوة الاقتراحية للمجتمع المدني المغربي الفاعل في حقل الفنون التشكيلية والبصرية.