”السياسة الجنائية وحماية حقوق الإنسان بالمغرب” مقومات الإصلاح ، قواعده وآلياته…..
السياسة الجنائية من التأسيس إلى التأسيس والمأسسة:
تعتبر السياسة الجنائية إحدى المقومات الاستراتيجية لسياسة الدولة تعكس رؤيتها وخططها لتعزيز السالمة العامة وحماية الوطن والمواطن من انتشار الجريمة والتصدي لها بواسطة آليات إدارية وأمنية وقضائية، والتي تختص برسمها السلطة التنفيذية وبوضعها في إطار التشريع المؤسسة التشريعية.
ولا شك أن تاريخ النظام الجنائي المغربي منذ استقلال المغرب تصدرته مدونة ابتدأت بسن قانون العدل العسكري وقانون المسطرة الجنائية سنة 1959 وتبعه قانون جنائي سنة 1962 فوضعا التوجهات في مجال التجريم والعقاب ومجال عمل الأجهزة المكلفة بالبحث والتحقيق والمتابعة وتدبير الدعوى العمومية ثم تنظيم القضاء الجنائي في المحاكمة وإصدار القرارات والأحكام وانتهاء برسم قواعد تنفيذ العقوبة وتدبير المؤسسات السجنية والتعاون الدولي في ميدان المتابعة والحكم وتسليم المجرمين….
ولا بد من التأكيد أن المغرب استمد أصول منظومته الجنائية من المرجعية القانونية الفرنسية في فلسفتها و في قواعدها وفي أحكامها، وتشبع كذلك بروح الخيارات السياسية الجنائية الغربية في مجال ربط محاربة الجريمة الوطنية والجريمة المنظمة عبر الوطنية و بمجال التعاون الدولي من خلال الانضمام للعديد من الاتفاقيات الدولية وخاصة منظمة الأمم المتحدة ومؤتمرات منع الجريمة وقد جاء الدستور الجديد لسنة 2011 .فأسس لعدد من الخيارات لترسيخ نظام عدالة شاملة وفي مقدمتها العدالة الجنائية حيث انتقلت العديد من المطالب الحقوقية والمجتمعية الى قواعد دستورية حيث تمت دسترة قرينة البراءة والحق في الصمت والمحاكمة العادلة واستقلال القضاء وكرس سمو المواثيق الدولية على القانون الوطني ووضع أحكاما للمحكمة الدستورية واختصاصها للبث في والدفع بعدم الدستورية، كّرس القيم والمبادئ الأساسية في مجال حماية الحقوق، ولا سيما الحق في السالمة الجسدية والمعنوية، وحظر وتجريم جميع أشكال التعذيب، وحظر مقاضاة واحتجاز ومعاقبة أي شخص خارج إطار الأحكام القانونية ذات الصلة، وتجريم الاحتجاز التعسفي، واحترام حقوق الأحداث الجانحين، ….
بدايات التحول، بين قوة الإرادة وتردد تفعيل رؤية:
لقد ألح المجتمع القانوني والحقوقي، ومعه أطياف الصف السياسي الديمقراطي، وطالب بضرورة تكريس الإرادة ورفع الحكامة في التعامل مع مقتضيات الدستور الجديد وما نتج عنه من إمكانيات للترافع لكسب رهان دولة القانون والمؤسسات، خصوصا وقد تأخر التعامل مع مخرجات ونتائج هيئة الإنصاف والمصالحة وما اقترحته من حلول لمعضلات الانتهاكات التي شهدها المغرب منذ الاستقلال، وما افرزته حرجة 20 فبراير من رغبة مجتمعية شابة عارمة في تكريس قواعد سياسية بديلة عقب رياح الربيع العربي.
و من هنا انطلقت عملية اشتغال الهيئة العليا لإصلاح منظومة العدالة، والتي حاولت فتح نقاش متعدد الأصوات حول السياسة الجنائية ودراسة أسس بديلة لما عرفته فيما قبل وكانت من مخرجاتها عملية طرح وزارة العدل والحريات لمسودة القانون الجنائي لمشروع قانون المسطرة الجنائية الذين اثارا نقاشا واسعا وآثارا انتقادات من حيث اعتبارها تتناقض مع العديد من التوجهات الجنائية الحديثة ومن ذلك كونها :
- منظومة ذات خلفيات ايديولوجية محافظة.
- منظومة تخلط ما بين الخلفيات الدينية والحزبية.
- منظومة تبقي على قواعد عقاب تقليدية مثل عقوبة الإعدام
- منظومة ذات مقاربة تجسد تمييزا ضد النساء
- منظومة منحت مواقع أقوى للنيابة العامة على حساب حقوق الدفاع والمحاكمة العادلة
- منظومة خلطت ما بين قانون الصحافة والقانون الجنائي.
- منظومة أدارت ظهرها لعدد من قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان ومن بينها اقرارها عقوبة الإعدام للجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الإبادة.
وهكذا، حصل شبه إجماع لدى المهنيين والجامعيين والحقوقيين وأطراف سياسية أخرى على ضرورة استبعاد هذه المسودة ــ رغم ما تضمنته من بعض المقتضيات الإيجابية نذكر منها إقرار العمل بالعقوبات البديلة ــ واستبدالها بمشروع يضمن ويحمي قيم الحداثة المستلهمة من القانون المقارن ومن مبادئ القضاء الدولي وما كرسته ثقافة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. ومن هنا، ظهر صراع سياسي أخفى معالمه عبر السنوات التي أقبرت خلالها المسودة والمشروع لما يفوق السبع سنوات 2013 ــ 2020 ولما ظهر من جديد في حلة مقتضبة قانون 16.10 وفي 83 مادة من مسودة القانون الجنائي عرف مصيرا مأساويا بدوره، وشكل نطاق اختلاف المكون الحكومي بفعل سحبه من البرلمان من قبل وزير العدل الحالي في دجنبر الماضي.
المرصد حاضر منتج ومقترح، ولا سياسة سجنية في غياب سياسة جنائية…
واكب المرصد المغربي للسجون مسيرة المنظومة الجنائية منذ تأسيسه قبل أزيد من عشرين سنة، ورافع في كل المناسبات وأمام العديد من الجهات ولدى المسؤولين من مختلف المستويات.
وقد أكد المرصد على الدوام على العالقة الجدلية القائمة ما بين المنظومة السجنية والمنظومة إجرائية واعتبر بأن السياسة السجنية هي وليدة السياسة الجنائية، وهذا ما اشتغل عليه عندما ساهم في التفكير في اسس اصالح قانون 98.23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية بمبادرة من المندوبية العامة للسجون وإعادة الإدماج قبل أكثر من خمس سنوات.
لقد أكد المرصد المغربي للسجون على رؤيته لمضامين الوثيقة /المسودة السابقة والتي عرضت في صيغة أولى من قبل الوزارة في 598 مادة من تعديل وتتميم ونسخ، قبل أن تعوض بدون أي تفسير وال تعليل بمشروع قانون رقم 16.10 الذي تقدمت به الحكومة سنة 2016، ثم أعيد عرضه بتقديم من وزير العدل السابق وهو عبارة عن أربعة مواد مفصلة على: 17 مادة جنائية تتعلق بتغيير وتتميم، و34 مادة جنائية تتعلق بتتميم، و28 مادة جنائية تتعلق بنسخ وتعويض، و 3 مواد تعلق بنسخ وهو ما مجموعه 82 مادة.
ومن منطلق تخصصه، تابع المرصد المغربي للسجون كل ما له علاقة بعالم السجون وتنفيذ العقوبة بمختلف تجلياتها بما في ذلك ” عقوبات العمر ” مثل الإعدام أو العقوبات الطويلة الأمد، ومجال التعاطي مع خطر الاعتقال الاحتياطي وظاهرة الاكتظاظ بالسجون… إسهاما منه في الدفاع عن كرامة المحتجزين وترسيخ حقوق السجينات والسجناء بمختلف فئاتهم، وجعل المؤسسة السجنية تستجيب للتحولات ولمضامين المواثيق والمعاهدات الدولية وتكرس مضمون الدستور الجديد، وبتعاون مع المتدخلين في مجال تنفيذ العقوبة من المندوبية العامة لإدارة السجون، وقضاء التحقيق وقضاء النيابة العامة والمؤسسة المعنية بمراقبة أماكن الاحتجاز…
ولم تفت أية فرصة ليقدم المرصد ويرافع مبديا رأيه ونظرته ومقترحاته المتعلقة:
- بقضايا الأحداث الجانحين
- بقضية العود
- قضية الاعتقال الاحتياطي
- بقضية النساء السجينات
- بقضية السجناء الأجانب
- بقضية السجناء المصابين نفسيا وعقليا
- بقضية المحكومين بالإعدام قضايا من صلب الأبعاد الخطيرة وهذه القضايا في اعتقاد المرصد والعديد من الخبراء، َ والبارزة للسياسة الجنائية التي البد من إعطائها موقعها في أفق أي إصلاح جنائي مرتقب.
ما هي الآفاق، وأية سياسة جنائية لمغرب المستقبل؟؟
في التوجهات الكبرى للقانون المقارن وفي الدول التي تعرف ازدهارا ديمقراطيا وحقوقيا ومؤسساتها فان الإصلاحات في مجال السياسة الجنائية تنبع من : دراسة الظاهرة الإجرامية ورصدها وتحليلها ومعرفة أسبابها وجذورها اعتبار الاختيارات الأمنية تسير مع الاختيارات الحقوقية وبمعنى آخر أن السياسة الجنائية ال يكمن أن تنفصل عن مجال الالتزام بحقوق الإنسان اعتبار إن سيادة القانون و تطبيق للقاعدة القانونية على الجميع بالمساواة احدى المرتكزات الحاسمة في مجال اختيارات العدالة الجنائية اعتبار إن العقاب سياسة تقوم على دراسة قيمته المجتمعية ونفعه وتأثيره وأفاقه، و معرفة دوره وتأثيره على تقليص الجريمة ومحاصرتها وعلى أصالح المجرمين وإدماجهم ووضع حد لمجال العود خصوصا بالنسبة لليافعين و للشباب.
ومن هـــــــــــــنا
فإن المرصد سيظل يرسم معالم الأفاق بحثا عن عدالة جنائية بديلة ومنتجة للأمن القضائي والقانوني و يعتقد المرصد بأن المغرب يوجد في مرحلة تاريخية تفرض على السلطات أن تتحمل مسؤولية التأخير في ركوب مسار الإصلاح بثبات ويقين ودون إضاعة الوقت، تفرض الاستماع و التجاوب مع انتظارات المجتمع والمواطن والقوى الحية وتفرض خلق دينامية تشريعية سريعة للتغلب على التخلف التشريعي الذي يؤثر على حياة المواطن وعلى التنمية المستدامة ويرى المرصد أنه يتعين على القضاء وعلى السلطة القضائية ومؤسساتها، أن تنطلق في دينامية أكثر تخليقا لخلق فرص لتجديد الثقة بالعدالة والقضاء، إذ بدون تعزيز الثقة لتسقط قلعة مجتمعية ودستورية عن مكانها الذي هو ضمير المجتمع قبل النص… كما ينتظر المرصد كذلك أن تعزز العدالة الجنائية بالقضاء الدستوري الممثلة بما يتيحه بواسطة مسطرة الدفع بعدم دستورية القوانين، من أجل مراقبة التطبيق السليم للدستور وإعمال الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان من قبل القضاء المغربي بالأولوية على القانون الوطني…؟ هذه في النهاية هي القواعد والأسس التي يمكنها أن تساعد على تأسيس نظام سجني بديل، لكي تنتج العقوبة معانيها فوائدها، وتتجاوز السجون وضعها التقليدي في الإيواء وفي تنفيذ العقاب وفي إعطاء صورة مشوهة لسلطة الاعتقال أكان احتياطيا أو نهائيا، وفي الاجتهاد لتوفر ظروف الإفراج والخروج من جديد للحياة وسط المجتمع.
إننا بالمرصد ننتظر كما ينتظر غيرنا،
ننتظر أن يعرض نص القانون الجنائي ونص قانون المسطرة الجنائية ونص قانون السجون، لوضع حد للعديد من الإشكاليات التي تعلق حقوق الأطراف والمتقاضين ننتظر إن تتجاوب وزارة العدل والمشرع فيما بعد لما سيتم تقديمه من اقتراحات وتعديلات وإضافات للمشروع الذي يتداول حول مشروع المسطرة الجنائية رقم 18.01
إنه نص جديد اتى بمستجدات ومقترحات وبإضافات
إنه مشروع جديد لا بد أن يحقق:
- المساواة في الأسلحة بين أطراف الدعوى العمومية اي ما بين النيابة العامة والمشتبه فيهم والضحايا.
- أن ينص صراحة عن جزاء الإخلالات التي ترتكب في مساطر البحث والتحقيق والمحاكمة.
- لا بد أن يضبط مجال السلطة التقديرية لقضاة النيابة العامة ويقلل من نفوذهم.
- لا بد أن يضبط ويقنن بوضوح وبشكل حقيقي مجال السلطة التقديرية لقضاة الموضوع.
- لا بد للنص أن يقوي موقع حقوق الدفاع في كل مراحل الدعوى العمومية من البحث التمهيدي للتحقيق والمحاكمة وتنفيذ العقوبة.
- لا بد أن يحدد معاني وقيمة الإنكار والتوقيع والاعتراف ويحدد البطلان فيها وآثاره بوضوح.
- لابد من أن تحدد المسطرة مكانة المحامي في المسطرة وتفرض وجده في البحث التمهيدي بمخافر الشرطة وعند توقيع المحاضر.
- لا بد للمسطرة أن تضع ضوابط للتعاون مع المشتبه فيهم الأجانب وما تطرحه لغة البحث وترجمة الأسئلة/الأجوبة ومن يقوم بالترجمة وقيمتها.
- لا بد من منع مطلق لإعادة تمثيل الجريمة تحت مراقبة العموم ومراقبة الكاميرات بالشارع العام لما في \لك من ضغط وإكراه وفرض اعتراف مسبق بارتكاب الجريمة.
- لا بد من تحديد ساعات البحث التمهيدي وعدم السماح به ليلا وعدم الإقدام عيلة وحالة الشخص غير مستقرة.
- لا بد من عقد جلسات البحث والاستنطاق تحت تسجيلات الكاميرا وتحت ضمانات قراءة الكاميرا من قبل محامي المشتبه فيه قبل التوقيع على المحضر.
- لا بد من استدعاء الضابط المشرف على البحث أمام قاضي التحقيق وأمام المحكمة في الجنايات كلما نازع المشتبه فيه في صحة المحضر وصحة مضامينه كليا أو جزئيا.
- لا بد من تقليص مدة الحراسة النظرية وعدم تمديدها إلا في جرائم محددة ولفترة واحدة.
- لا بد من تقييد الاعتقال الاحتياطي القل من شهر في الجانيات والقل من اسبوع في الجنح وفي كلتا الحالتين لا بد من وضع شروط دقيقة وضيقة تحدد متى يمكن الأمر به.
- لا بد من إعطاء فرصة للمشتبه فيه للطعن في قرار والأمر بالإيداع والاعتقال الاحتياطي أمام قاضي الحريات داخل أجل ساعة من اتخاذه والحكم فيه قبل الإيداع والاعتقال.
- لا من اقرار التعويض عن تجاوز مدة الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي ومنح الاختصاص في تحديده والأمر بأدائه لغرفة التعويض بمحكمة النقض التي تبث فيه داخل أجل أقصاه ثالثة أشهر وبحكم نهائي غير قابل ألي طعن وتأمر بتنفيذه داخل أجل شهر من قبل الخزينة العامة.
وهكـــــــــــــــذا،
وفي الأخير، يتطلع المرصد المغربي للسجون إن يثار الاهتمام الكبير بالمنظومة الجنائية وأن يستقبل المجتمع بكل مكوناته هذه النصوص بما تفرضه واجب المناقشة وقواعدها العلمية المسؤولة وفي انتظار ذلك يتقدم المرصد بهذه الملاحظات الأولية للراي العام ولذوي الاختصاص.
المكتب التنفيذي
الرباط في 30/03/2022