نيابة عن منظمة العفو الدولية – فرع المغرب، أتوجه لكم صحافيين، وممثلي الهيئات الدبلوماسية والمجتمع المدني والمؤسسات الوطنية وأنصار حقوق الإنسان بالشكر لحضوركم الندوة الصحفية التي نقدم فيها تقرير منظمة العفو الدولية 2021/2022.
أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرها السنوي 2021/2022 الذي يتضمن تقييما لوضع حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم.
ويأتي هذا التقرير في خضم حملة عالمية لأمنستي لمناهضة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، الذي يدمر حياة الفلسطينيين بالحصار والاعتقالات، والحرمان من الماء والإخلاء القسري للسكان، وبناء المستوطنات ، إنه نظام من القمع والهيمنة بشكل ممنهج ضد الفلسطينيين لتفقيرهم وتشتيتهم جغرافيا وسياسيا، وجعلهم يعيشون في حالة دائمة من الخوف وانعدام الأمان، ويعتبر من ناحية أخرى جريمة ضد الإنسانية.
على هذه الخلفية اختارت أمنستي يوم الأرض الفلسطينية 30 مارس لإطلاق هذا التقرير من الرباط، ومن هذا المنبر، ندعو الجميع الانخراط في حملتنا ليس دفاعا عن حقوق الفلسطينيين فقط، بل دفاعا عن إنسانيتنا.
وعودة للملامح الكبرى لهذا التقرير، الذي يغطي نهاية مرحلة عرفت فيها البشرية جائحة مدمرة، فإنه يكشف نفاق الدول الغنية وتواطأها مع الشركات العملاقة خلال العام 2021 لخداع الناس بوعود كاذبة عن التعافي على أساس عادل من وباء كوفيد 19.
ويعرض التقرير تفاصيل عن بعض الأسباب الجذرية لهذا الخداع، مثل جشع الشركات، والأنانية والقومية الموحشة، وتجاهل البنى الأساسية الصحية والعامة من جانب الحكومات، وتجاهل الدول الضعيفة.
كان ينبغي أن يكون العام 2021 عاما للتعافي واستعادة الحيوية، ولكنه بدل ذلك أصبح مرتعا لمزيد من انعدام المساواة وانتفاء الاستقرار، وسوف تستمر ويلات هذه التركة لسنوات قادمة تغذيها الحروب وعنوانها البارزالآن، الأزمة الأوكرانية التي ستؤدي فاتورتها، بشكل خاص، دول إفريقيا وآسيا وكل جنوب العالم الفقير.
ويمكن تلخيص سياسة حكام العالم مدعومين بالشركات الغنية في جملة واحدة: أنهم يقدمون الوعود في العلن، وينقضونها في السر، كثير من الخطابات الرنانة وقليل من العمل، وما حدث في ظل الجائحة يعطينا صورة حقيقية لعالم يطغى عليه التوحش وتغول المصالح.
لقد ظلت حياة الناس آخر ما يتم التفكير فيه خلال الجائحة، فقد احتكرت الدول الأعضاء في الإتحاد الأوربي وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية اللقاحات وقامت بتخزينها بكميات أكبر مما تحتاجه، أما شركات فايزروبيونتيكوموديرنا فقد توقعت مسرورة أن تحقق أرباحا طائلة تبلغ نحو 54 مليار دولار أمريكي، ولم تقدم للبلدان الفقيرة سوى أقل من 2% من لقاحاتها.
وبالموازاة، لعبت شركات وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وانستغرام وتويتر، دورا سلبيا بنشر معلومات مضللة عن فيروس كوفيد 19، مما يعزز الخوف وانعدام الثقة، وزيف الوعي.
الحضور الكريم؛
ماذا كانت النتيجة؟
في كل أنحاء العالم، كانت الفئات المهمشة هي الأكثر تضررا من تداعيات كوفيد 19، والضحية الكبرى لهذه السياسات هي أفريقيا ولذلك اختارت منظمة العفو الدولية على مستوى الأمانة الدولية، أن تطلق هذا التقريرأول أمس من جنوب إفريقيا. فإلى حدود نهاية عام 2021 كان أقل من 8% من سكان إفريقيا قد حصلوا على التطعيم الكامل.
وعانى الناس من عدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية، وارتفعت نسبة الهدر المدرسي، ومعدلات الفقر والبطالة.
وبالإضافة إلى الآثار المدمرة لكوفيد 19، ازداد اتساع رقعة النزاعات المسلحة في أثيوبيا والأراضي الفلسطينية المحتلة، وأفغانستان وبوركينافاسو، وليبيا ومينامار واليمن، وهي نزاعات يذهب ضحيتها المدنيون والنظم الاقتصادية والاجتماعية ونظم الرعاية الصحية.
وتحت ظل هذه الأوضاع، تنامى الاتجاه التراجعي في مجال الحريات وحقوق الإنسانمن إسكات الأصوات المعارضة والمستقلة والمنتقدة، إلى استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين، واستخدمت ذريعة الوباء والطوارئ الصحية لتغطية سلوك الحكومات القمعي.
إن القادة السياسيين الغربيين وأصحاب الشركات العملاقة بتواطؤهم في إعطاء الأولوية للربح والنفوذ والمصالح الاقتصادية على حساب البشر، يوجهون رسالة إلى حكام بلدان الجنوب مفادها أن احترام حقوق الإنسان مجرد شعار للاستهلاك، مما يشجع على المزيد من الانتهاكات وينذر بمستقبل أسوأ.
وبإلقاءنظرة عامة على منطقة الشرقالأوسط وشمال إفريقيا التي ينتمي إليها المغرب، نجد أن هذه الرسالة السلبية استوعبت بشكل جيد، بحيث اشتدت القيود الشديدة على حرية التعبير، فقد أصدرت بعض الحكومات مزيدا من التشريعات القمعية التي تجرم حرية التعبير، وواصلت فرض رقابة على الانترنيت، وأنفقت أموالا للحصول على معدات المراقبة الرقمية، وواجه مدافعون عن حقوق الإنسان وصحفيون محاكمات جنائية، وأحكاما بالسجن، وتعرضت بعض منظمات المجتمع المدني إلى تجريم أنشطتها أو التضييق عليها، وفي شتى أنحاء المنطقة، استخدمت قوة الأمن بشكل مفرط لسحق احتجاجات سلمية، كما لم تتوقف أساليب التعذيب، والإفلات من العقاب.
وواصلت السلطات القبض على اللاجئين والمهاجرين واحتجازهم وطردهم أو إعادتهم إلى بلدانهم بصورة قسرية، ولم تتخلص المرأة من حوادث العنف، بل ارتفعت أكثر في ظل الوباء وخاصة العنف الأسري، وقمعت السلطات بشدة حقوق أفراد مجتمع الميم، فقبضت على كثيرين بسبب ميولهم الجنسية الحقيقية أو هويتهم المرتبطة بالنوع الاجتماعي، وواجه أفراد الأقليات الدينية والعرقية في أنحاء المنطقة تمييزا مجحفا.
المغرب لم يكن بعيدا عن هذه الصورة، حيث نجد أن السلطات استخدمت حالة الطوارئ الصحية لفرض قيود تعسفية على حرية التعبير والتجمع، وفرضت جواز التلقيح للولوج إلى المرافق العامة والخاصة والشغل والتنقل، وتعرض المهاجرون وطالبو اللجوء إلى الكثير من الإجراءات التعسفية.
لهذا، فإن منظمة العفو الدولية تطالب وتدعم بهذه المناسبة قيام حركة عالمية للعدالة، ولأننا نعرف أن ثمة ترابط وتشابك بين مستقبلنا في المغرب ومصيرنا الإنساني، من جهة، ومستقبل الكوكب ومصيره من جهة أخرى، فإننا ندعو الحكومة بإقرار حكم يكفل حقوقكل واحد منا، دون إقصاء لأحد، من أجل مصالح بلدنا ومواطنيه، وتبدأ الطريق بالاستماع إلى الأصوات مهما كانت حدتها واختلافها وقوة معارضتها، سيكون المغرب قويا حين يتسع لكل أبنائه بدون تهميش أو تمييزأو قهر، وحين يعطي الأولوية للمساءلة وعدم الإفلات من العقاب كلما حصلت انتهاكات لحقوق الإنسان أو فساد.
فليكن المغرب قويا أكثر باحترام حقوق الإنسان.
شكرا لكم.