احتضنت قاعة الخزانة البلدية بإقليمسيدي سليمان، مساء يوم الثلاثاء 18 يونيو 2019، لقاء فكريا حول موضوع ” الدين والديمقراطية”، من تنظيم الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، فرع سيدي سليمان.
يندرج هذا اللقاء العلميفي إطار البرنامج السنوي لأنشطة الجمعية، وتميّزبحضور ثلّة من مدرسي ومدرّسات الفلسفة والأطر التربوية والإدارية،والمفكرين والمفكرات والمثقفين والمثقفات، والطلبة والطالبات. في كلمته الافتتاحية بالمناسبة، رحب مسيّر الندوةبالأستاذين مؤطّري اللقاء وبجميع الحاضرات والحاضرين، وذَكّر بدواعي وسياق وحيثيات هذا اللقاء الفكري الهام.
في مداخلة أولى اعتبر الدكتور جمال فزة، الأستاذ والباحث في علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، أنّ علاقة الدين والديمقراطيةهي علاقة إشكالية، لكنه في بنائه للطابع الإشكالي لهذه العلاقةعمل على تجاوزالطابع الجوهراني للدين والديمقراطية على حد سواء؛ حيث إنّ العلاقة في نظره تاريخية. إنّ عدم توافق الدين والديمقراطية عموما، حسب الدكتور فزة، لا ينبع من اختلاف جوهري بينهما، بل يرجع إلى الرهانات السياسية والاجتماعية التي تميّز الصراع السياسي والاجتماعي بين قوى التغيير والقوى المحافظة، فالمجتمع وما يعتمل داخله من صراعات وتوازنات قوى، بالنسبة للأستاذ المحاضر، هو ما يفسر الدين وليس العكس. وأردف الأستاذ فزة موضحا، إذا كان السؤال حول عدم توافق الديمقراطية مع الدين قديما جدا، فإنّه قد اقترن برهانات جديدة مع العولمة، وبالتحديد مع ما بات يُعرف بالربيع العربي، فبعدما كان “الغرب”، حسب ذات المتحدث، يعتبر أنّ الدين الإسلامي مثلا لا يتوافق في جوهره مع الديمقراطية، فإنه مع أحداث الربيع العربي قد غيّر نسبيا موقفه هذا، وظهرت أقلام غربية تشيد بقدرة العالم العربي والإسلامي على معانقة المبادئ الديمقراطية، دون التخلي في الوقت نفسه على طابعها الديني. ولعل تحليلات كل من إيمانويل طود و أوليفي روا ومارسيل غوشي، يقول الأستاذ الجامعي، كلها تسير في تثمين هذا الرأي وتزكيته: “وأخيرا الإسلام ليس استثناء” حسب رأيه. وأكّد الدكتور جمال فزة في معرض مداخلته على موقف إريك جوفروي، الذي اعتبر أنّ العولمة ستحرر الدين الإسلامي، وتدفعه إلى الانسلاخ عن الشكل الاجتماعي والتاريخي الذي اتخذه (إسلام الجزيرة العربية)، وإعادة الصلة بكنهه وهو “دين الفطرة”. ولعل هذا التصور هو ما سيثمن في نظره “الطبيعة الإنسانية” في تدبير العيش المشترك، بما يفيد ذلك من اعتبار الحرية هي الأصل.إنّ إعادة قراءة الإسلام انطلاقا من هذا المبدإ سيسهم، في نظر الأستاذ فزة، في تقريب الإسلام من مبادئ الديمقراطية، وهي في نظره ثلاثة مبادئ: تحرير الأفراد من الخوف، إبداع آليات مراقبة السلطة ثم الحرية الفردية.
وفي مداخلة بعنوان ” الدين والديمقراطية: حول سؤال الديمقراطية في الخطاب الديني الإسلامي”، أكّد المفتش التربوي التخصُّصي لمادة الفلسفة بجهة الرباط-سلا-القنيطرة والباحث في قضايا الفكر الفلسفي وعلوم التربية، الأستاذ عبد اللطيف الخمسي بأنّ قضية العلاقة بين الدين والديمقراطية مسألة راهنية، تهم المسألة الدينية من جهة وإشكال السياسة من جهة أخرى. والأساس، حسب الأستاذ الخمسي،هو البحث عن إمكانية دمج الدين في النسق السياسي الديمقراطي، وقدرة الممارسة الديمقراطية على استيعاب الفاعل الديني، لكن هذا يتطلّب، في نظر ذات المتدخّل، قدرة الخطاب الديني على بناء فهم سديد للديمقراطية وفق منظور تاريخي مواكب للتحولات،وأردف موضحا بأنّ الأمر يتطلب من الفاعل العلماني أو الديمقراطي تملك رؤية نوعية منفتحة للدين. واستطرد المفتش التربوي قائلا، بأنه في هذا الإطار كان من اللازم الوعي بعلاقة الدين بالديمقراطية، أو الممارسة السياسية في مجتمعات الحداثة (نموذج كانط، اسبينوزا، هوبس)، ثمّ إدراك نوعية الربط بين الدين والديمقراطية لدى كل من هابارماس (الدين والمجال العمومي)، ثم الدين داخل نسق الديمقراطية والعلمنة (مارسيل كوشيه). وكل هذا، أضاف المتدخل عينه، في أفق جعل الدين أكثر مرونة في الحضور داخل المجال العام، وفق مبدإ المواطنة والتعددية والاعتراف بالآخر، في هذا السياق، يوضح الأستاذ عبد اللطيف، يكون التساؤل حول حدود فهم الخطاب الديني الإسلامي الوسطوي للشورى والسلطة (نموذج ابن تيمية والفقه السلطاني أو فقه الشرعية)، ثمّ إدراك أزمة تطور الإسلام السياسي للمسألة الديمقراطية (نموذج المودودي في علاقة بالدولة الإسلامية التيوقراطية ومجتمع أهل الذمة)، وكذلك نموذج سيد قطب بخصوص مفهوم الحاكمية، والتكفير والجهاد)، دون نسيان أزمة الخطاب الديني “المعتدل” (نموذج راشد الغنوشي)،الذي يحاول جاهدا التوفيق بين الشورى والديمقراطية.يحتاج الأمر إذن، حسب الأستاذ الباحث عبد اللطيف الخمسي، إلى بناء الدولة المدنية لا الدينية، ومجتمع المواطنة وكذا الاعتراف بالتعدّدية الدينية، واعتبار الديمقراطية ليست آلية انتخاب واقتراع بل مسألة قيمية، أخلاقية. وكل هذا لا ينفصل عن التنوير الديني لجعل النظرة للدّين مواكبة للرّهانات الحديثة.
بعد ذلك فُسِحَ باب النقاش والتفاعل للحاضرين والمتدخلين، وقبل إسدال الستار على فعاليات هذا اللقاء العلمي، قُدِّمت شهادتان تقديريتان للأستاذين المؤطّرين لهذا اللقاء شكرا وامتنانا لهما على جميل عطائهما الفكري، كما سُلّمت جوائز لتلميذات فُزْنَ بالأولمبيادالخاصة بالفلسفة تشجيعا لمجهوداتهن، والتُقِطَت صور تذكارية مع الأستاذين المحاضرين تخليدا لفعاليات هذه الندوة الفكرية بامتياز.
العربي كرفاص: سيدي سليمان