بقلم: رضوان القادري
– المحلل السياسي الدولي،
– رئيس جامعة الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج،
تواجه يوميا النخب السياسية في المغرب، والتي تشكل كل من الحكومة والبرلمان ومنتخبي الجماعات انتقادات لاذعة واحتجاجات وغضب عدد كبير من المواطنين على طريقة تدبيرها وتسييرها، فالمواطن المغربي، للأسف الشديد، يتحمل ما آلت اليه الحياة السياسية في بلدنا، لان هؤلاء هم من أفرزتهم العملية الانتخابية وهم الذين تم انتخابهم من طرف فئة من المواطنين وبمحض ارادتهم، فاذن لم الانتقاد اليوم، ولم البكاء على الأطلال..
ومن تجليات عدم رضا الشارع بأداء النخب السياسية، اعتبار الاغلبية الصامتة بان هؤلاء المنتخبين لا يمثلونهم لأنهم قاطعوا الانتخابات، فهنا يمكن القول، والحالة هاته، بأنه ليس هناك من خيار تقبل الامر الواقع.
لو رجعنا قليلا إلى ما قبل العملية الانتخابية، وتوجه الجميع، بمن فيهم الاغلبية الممتنعة عن التصويت لمكان الاقتراع، فإن المرشح الفائز أو الحزب المتصدر سيمثل أغلبية الساكنة، وسيشعر كل مواطن آنذاك بأن لصوته معنى، وأن له دورا حقيقيا هذه المرة في صنع القرار، بدل ما نشاهده في المشهد السياسي الحالي من علاقة غير متكافئة بين تمثيلة الكتلة الناخبة وحجم الأحزاب التي أفرزتها صناديق الاقتراع، والتي تتكشف عيوب هذا اللاتكافؤ من خلال خروج الشارع من أجل معارضة سياسة الحزب المتصدر، وهذا ما يناقض صلب العملية الديمقراطية، التي تنبني على ضرورة تمثيل الحزب المتصدر لأصوات الشارع الحقيقية، وكونه يمثل الأغلبية الواقعية، وليس فقط بلغة الترتيب، الذي يأتي فقط من نسبة مشاركة ضعيفة التي قد تأتي فقط من محبي ومريدي الحزب الفائز.
لذلك نرى دولا ضمن الديمقراطيات العريقة،تنهج أسلوب إجبار ية التصويت، من أجل تلافي الفوضى، وتجنب حالة من غياب الانسجام بين الشارع والحزب المتصدر للمشهد السياسي.
ومن بين تمظهرات هذا اللاتكافؤ بين الشارع والحزب المتصدر، حدوث حالة من الاضطراب التي تهدد السلم الاجتماعي، بفعل عدم تفعيل مبدأ إجبارية التصويت، حيث نرى ان ذلك الحزب المتصدر لا يكاد يتفاعل مع خطابه سوى كتلته الناخبة المشكلة من أتباعه وجميعاته التابعة له.
لذلك نرى أنه بات من اللازم فتح نقاش حقيقي وجاد حلول اعتماد مبدا اجبارية الناخبين على التصويت كما يحدث، تأسيا بدول كثيرة، وفق ما تطرقت لذلك مجموعة من الدراسات التي تقول بان التصويت الإجباري يضمن مشاركة أكبر لعدد من الناخبين. وهذا يعني أن المرشح أو الحزب المنتصر سيمثل بشكل واضح أغلبية السكان، وليس فقط أولئك الاتباع أو الأفراد المهتمين بالسياسة الذين يقومون بعملية بالتصويت دون إجبار أو عمليات تحسيسية.
قمنا داخل مؤسسة جامعة الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج بتوزيع عدد من الاستمارات بين مجموعة من المواطنين المغاربة سواء خارج المغرب أو داخله. وكذا على مستوى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تم طرح مسألة اجبارية التصويت وفائدتها على الدولة والمجتمع.
واتفق أغلب من وزعنا عليهم الاستمارات على أن اجبارية التصويت ستفرز نخبا جديدة ستثبت للحزب الفائز، نسبة من تم التصويت عليه.
وعندما نتحدث عن إجبارية التصويت فإن هذا المبدا يكفل للناخب التصرف كيفما شاء لصوته، ولمن يريد، بل وحتى الحق في عدم التصويت لأي من المرشحين وترك الورقة بيضاء أو فارغة، فذلك بحد ذاته تعبير سياسي، فالمهم في عملية التصويت هو التعبير السياسي للكتلة الناخبة عن رايها في المرشحين والأحزاب المتنافسة، وليس العزوف السياسي، فهذه المَرضي لن يؤتي بعدها إلا الوبال والسخط وبعد الشقة بين الطبقة السياسية والرأي العام، كما نشاهد اليوم.
يقول المنظر السياسي أريند ليبهارتز، للتصويت الاجباري مجموعة من الميزات فبالإضافة إلى زيادة أعداد الناخبين، هناك زيادة معدل المشاركة، التي ستكون محفزا للانخراط والاهتمام بالسياسة ونشاطاتها، كما أن ظاهرة توظيف المال في الحملات الانتخابية ستتراجع اطرادا، إذ لم يعد هناك من حاجة لجمع تبرعات مالية كبيرة من أجل إقناع الناخبين بالتصويت، كما سيلعب التصويت الإجباري أيضا دور التأطير السياسي وتطبيعها في حياة المواطنين وتحفيز المشاركة السياسية لهم، مما يخلق شعبا أكثر اطلاعا، أضف إلى ذلك أن تلك المشاركة المرتفعة ستسهم بشكل كبير في الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي.
لهذا علينا ان نختار من يمثلنا، وان نتحمل مسؤولية الاجيال القادمة ونتوجه الى صناديق الاقتراع، ونؤيد مبدأ اجبارية التصويت، فالعزوف السياسة أو الامتناع عن التصويت لن يفرز من ورائه إلا نخب لا تمثل إلا نفسها ومن صوت لها من اتباعها، وهنا يصدق علينا المثل القائل “جنت على نفسها براقش”.
و لتزكية اطروحة التصويت الإجباري في مغربنا الحبيب و من خلال تجربة قصيرة من تمثيل أفراد الجالية المغربية في البرلمان7 ، طويت المسألة ولم يُطرح الموضوع مجدداً حتى عام 2005، عقب إعلان الملك محمد السادس نصره الله في خطابه، عن المحاور العريضة لاستراتيجية الهجرة التي تقوم في المقام الأول على تعريف وضعية الجالية المغربية في الخارج واعتبارها بمثابة “أحد الرهانات الرئيسية للمغرب الجديد”. وتم بهذه المناسبة الإعلان عن أربعة مجالات ضمن هذه الاستراتيجية، من شأنها أن تتيح الفرصة لأفراد هذه الجالية، التمثيل في مجلس النواب، وإنشاء دوائر انتخابية تشريعية في الخارج، ومنحها حق التصويت والترشح، وإنشاء مجلس أعلى للجالية المغربية في الخارج.
لكن، على الرغم من أهمية الخطاب الملكي، ومع اقتراب موعد كل انتخابات تشريعية، يطفو إلى السطح كالعادة النقاش نفسه. وظلت مسألة المشاركة في الانتخابات بين عام 2005 وسبتمبر/أيلول 2021 (تاريخ الانتخابات الأخيرة)، معلقة ولم تُنفذ أي من القرارات بهذا الشأن. وكان التصويت الوحيد الذي تم خلال هذه الفترة يتعلق بالإصلاح الدستوري لعام 2011. ولم يُنفذ مضمون الفصل 17 من الدستور، مثلما أن التوصيات المتضمنة في التقرير حول نموذج التنمية الجديد لم تؤثر في مجرى الأحداث، ومثال على ذلك، صدور حكم وزارة الداخلية في عام 2007 لا لبس فيه، بصيغة واضحة وصريحة: “لا ينبغي على أفراد الجالية المغربية في الخارج التعويل على التوّجه إلى صناديق الاقتراع، في 2007، لانتخاب ممثليها في البرلمان”. ومن خلال رفضه هذا الموقف، الذي يتعارض مع التوجيهات الملكية السامية، انتقد المجلس الوطني للمغاربة المقيمين في فرنسا (CNMF)، الإدارتين المعنيتين (وزارتي الخارجية والداخلية)، اللتين “لم تتخذا بشكل فعلي، مبادرات ملموسة تسمح حقًا بمشاركة الجالية المغربية في الخارج في إنتخابات 2007.” وصدر انتقاد مماثل من أوساط حزب مغربي معارض، الذي اعتبره شكلاً من أشكال العرقلة لإرادة المغاربة المقيمين في الخارج، وذلك انطلاقاً من التخوّف الذي ينتاب بعض الأحزاب من موجة انتخابية لصالح احزاب اخرى منافسة. ثم في عام 2011، أثناء الانتخابات المبكرة، اقترِح على الجالية المغربية المقيمة في الخارج التصويت بالوكالة، بحيث يسمح للمواطن المغربي المقيم في المغرب، التصويت نيابة عن فرد واحد فقط من الجالية المقيمة في الخارج. وقد انتقدت مجموعة من الاحزاب انداك، و التي كانت في صفوف المعارضة، هذه الصيغة، معتبرين إياها “إهانة”.
ثمة سؤال يطرح نفسه، بماذا يمكن تفسير هذا العجز -أو غياب الإرادة – في وضع نظام فعال للمشاركة السياسية لصالح الجالية المغربية؟ لقد نشر مجلس الجالية المغربية المقيمة في الخارج، عملاً بالمهمة التي أوكلت إليه خلال ولايته الأولى10 ، تقريره حول مسألة المشاركة السياسية والمشاركة المواطنية في عام 2013. حتى وإن لم يصدر هذا التقرير في شكل رأي صريح “معبر عنه علناً”، فإنه يتضمن جميع العناصر التي تقلل من شأن وأهمية هذه المشاركة التي تبدو شبه مستحيلة، من خلال تقديم أصحاب التقرير بعض الحجج، أولها، التشكيك في شرعية تمثيل الجالية المغربية المقيمة في الخارج حول السياسات العامة المتعلقة بالمغرب وسكانه، والنظر إلى استراتيجية الهجرة على أنها قرار فردي في المقام الأول، أي يسعى صاحبه إلى تحسين أوضاعه الشخصية بعد اتخاذه قراراً لم يتفاوض بشأنه مع بلد المنشأ، وإنما رغبة مدروسة منه لتطوير حالته في أماكن أخرى، ومن ثمّ لا يمكن اعتبار ذلك ديْنًا على عاتق بلد المنشأ. ثم طُرِحتْ إشكالية الولاء المزدوج لبلدين اثنين. وبحسب التقرير، فإن هذا الولاء المزدوج يسبب حالة من الضبابية في طبيعة الاستراتيجيات والسياسات الواجب الدفاع عنها، والتي تكون أحيانًا متناقضة، بل وقد تؤدي إلى تضارب المصالح. وأخيرًا، أثيرت مسألة غياب آلية التلقائية الرابطة بين وجود جالية مقيمة في الخارج والتزام التمثيل في بلد المنشأ.
في نهاية المطاف، لا يوجد في التقرير الخاص بنموذج التنمية الجديد، أي مستجد بشأن مسألة الأشكال المختلفة للمشاركة، باستثناء عملية تجميع كل القرارات والتوصيات والتوجيهات الواردة في التقارير الاستراتيجية أو الخطب الملكية أو حتى الأحكام الدستورية. وعلى الرغم من الاهتمام المتزايد الواضح، بالتعبئة التي تبذلها الدولة لصالح الجالية المغربية، والتحسن الكبير المحرز بمرور الوقت، في عملية الإدماج وتوسيع نطاق رقعتها، إلا أن الأسئلة الأساسية المتعلقة بالتمثيل ومظاهرها المؤسسية لا تزال عالقة…