اعتبارا لأهمية الجمعيات في مسار البناء التنموي والحقوقي والديمقراطي، وأخذها بعين الاعتبار أهمية مأسسة المشاركة المدنية في مسار القرارات والسياسات العمومية، وضعت مجموعة من المقتضيات والأحكام القانونية التي تنظم تؤطر تكوين الجمعيات وتحدد طبيعة الأدوار التي يمكنها القيام بها.
فالحق في حرية تكوين الجمعيات و ممارستها لأنشطتها مضمون والأحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومقتضيات العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعديد من الاتفاقيات العامة والخاصة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وكذا في جميع الاتفاقيات الإقليمية.
وحرصا من المملكة المغربية على بناء الصرح الديمقراطي والمؤسساتي على أسس متينة، تم وضع إطار مدونة الحريات العامة مباشرة بعد استقلال المغرب وكان ذلك سنة 1958، ومن أهم ما تضمنته قانون الجمعيات.
وعلى الرغم من أهمية مضامين قانون الجمعيات، فقد عرف تطبيقه على مر عقود من الزمان بروز مجموعة من الإشكاليات العملية من قبيل عدم تسليم وصل الإيداع المؤقت ونفس الشيء بالنسبة وصل الإيداع النهائي، وعدم توحيد الوثائق المطلوبة في ملف التأسيس، ومنع العديد من الجمعيات من الحق في عقد اجتماعات عمومية وممارسة أنشطتها بكل حرية وفقا للمعايير الدولية، زيادة على عدم وضوح معايير منح التمويل العمومي وعدم دقة ضوابط الشراكة والتعاون بين القطاعات الحكومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية من جهة وجمعيات المجتمع المدني من جهة ثانية…
وبالرغم من التعديلات التي عرفها قانون الجمعيات، فالواقع يكشف يوما بعد يوم مجموعة من الاختلالات المرتبطة بتطبيق هذا القانون.
ولتجاوز هذا الواقع، وضمان حماية فعلية لمبدأ حرية تأسيس الجمعيات وممارسة أنشطتها بكل حرية، فقد تضمن دستور المملكة لسنة 2011 أحكاما جديدة مؤطرة للممارسة الجمعوية سواء على مستوى التأسيس أو على مستوى الأدوار، كما نص على العديد من الأحكام والمبادئ المؤسسة للديمقراطية التشاركية والمشاركة المواطنة في مسار القرارات والسياسات العمومية.
كما قامت الحكومة بتنظيم حوار وطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، نتج عنه إنتاج عدة وثائق و مسودات مشاريع قوانين، بعضها صدر، والبعض الآخر مازال يراوح مكانه.
كما تميز واقع الممارسة بظهور ديناميات مدنية ترافعت عن مدونة جديدة متقدمة للحياة الجمعوية وعن قوانين جديدة لمأسسة وتطوير الديمقراطية التشاركية، وقد أنتجت هذه الديناميات وثائق في غاية الأهمية من بينها ما سمي ب “إعلان الرباط”.
واليوم، ونحن على بعد 10 سنوات من دخول دستور 2011 لحيز التنفيذ، مازال واقع الممارسة الجمعوية يطرح العديد من الاشكالات القانونية والعملية، كما أن العديد من التشريعات لم تصدر لغاية اليوم.
وضمانا لرقي قوانين المجتمع المدني إلى مستوى الوثيقة الدستورية والالتزامات الدولية للمملكة المغربية، يأتي هذا اللقاء العلمي الذي ينظمه مركز الشروق بغية فتح النقاش من جديد بخصوص قوانين الجمعيات وواقع الممارسة الجمعوية .
ويستهدف هذا اللقاء طرح الأسئلة الحقيقية واستشراف الأجوبة المنطقية بخصوص حرية تأسيس الجمعيات وممارستها لأدوارها الدستورية والقانونية.
ولتسليط الضوء بشكل جلي على مجموع إشكاليات القانونية والعملية المتعلقة بالحياة الجمعوية، سيعرف هذه اللقاء مشاركة خبراء وفاعلين حقوقيين ومدنيين، كما سنتناول المحاور التالية:
المحور الأول: التشريع الخاص بالجمعيات ومتطلبات الإصلاح
المحور الثاني: واقع الممارسة الجمعوية: الدروس المستفادة