مقدمة الكتاب “للدكتورة ثريا بن الشيخ ”
حين نَكون مَنذورين للكتابة ، تَتعدّدُ فراغاتنا وتوتُّراتنا وعَتماتنا ، تتّسِعُ فينا مساحات الوَجع والحُلم معا ، نُدرِك أنّنا فعلا في وَرْطة السّعي إلى التّشكُّل كلّ يوم بِوَهج أكبر ، سَعياً إلى تحقيق لحظةِ خُلودٍ نوهِم فيها أنفسَنا بالمشاركة في تأسيس خطاب إنسانيّ كونيّ مَبني على التّسامح والسّلم والسّلام والجمال والمحبّة : وهو الرّهان الذي تَسعى الفنون الجميلة إلى تحقيقِه أو ملامسَتِه .
إنّ ما يُميّز هُوِيتَنا الوطنيّة في المغرب ، قيامُها على التّعدد والاِختلاف الذي يَعود إلى تاريخِنا العريق وجغرافيتِنا المجاليّة والوجوديّة . ولاشك أن ما أكْسَب عروبتَنا طابعَ العُمق والتّميز والمرونة والتّفتح هِي جُذورُنا الأمازيغية وما ارْتبَطت به من تَحوّلات وتَشكّلات انعكست إيجابا على وُجودِنا الثّقافيّ والحضاري ، والتي بدورها تَستمِد عمقَها الإنسانيّ من خلالِ التلاؤم مع بقيةِ العناصر المكوّنة لهُوِيتنا المشتركة : من عربِ وأمازيغ وصحراويين وزنوج وأوروبيين ؛ فاتّسعت خارطتُنا الّلسانية وتَفرّعت في وحدة وطنية قائمةٍ على بهاء التّعدد ومُرونة الاِختلاف ، ويَتجلّى ذلك في إبداع المغاربة في كلّ اللّغات والأشكال المعرفيّة المختلفة .
في هذا الإطار ، قرّرتُ نَشر ديوان شِعريّ بعنوان ” تيسليت ءونزار ” : عروس المطر ( وهو عِدّة نُصوص كُتِبت في سياقات مُختلفة ) ، مَكْتوبا بالحرف العَربي والأمازيغيّ مَصحوباً بتَرجمة دَلاليّة تقريبية قصد فكّ بعض الغوامض : نتمنى أن تكون وسيط حوار ثقافيّ ، خاصة وأنّ اختلافَ اللّغات يعود بالدّرجة الأولى إلى اختلاف النّسق التّصوّري لِمُتكلّميها .
ليسَ حُبُ الوَطن بالنّسبَة لنا مُجرّد عُنصُر فاعلٍ في الذّات فحسب ، وإنّما هُو مِن أهَمّ العناصر المُكوّنةِ لهذه الذّات ؛ ذاتٌ مُركّبة- قائمةٌ على التّعدّد والاِختلاف الذي وَلّد وحدةً وتَكامُلا لَم يَكُنْ فيه صراعُ الرّموز سوى مظهرٍ للمنافسة والسّعي نحوَ تَحقيقِ الأفْضل ؛ وتَعدّد مَصادرِ الهُوِية هذا نِعْمةٌ أكسبَتنا وُجوها مُتعدّدةً تَجَلّت عبر التّعبير بِعِدة أساليبَ ولُغاتٍ وحَساسِيات عَن وَجَعِ الكَينونة الذي يَرْبِطنا بالكتابةِ في مُواجهةِ الفَراغِ الوُجودِيّ الذي يَسْعى إلى إخْراسِنا ؛ فَمَنْ زادُهُ المِحْبرة ، لَا توقِفُه غَير المَقْبرة ..