يتواصل معرض “مديح الألوان” الذي يحتضنه رواق البنك الشعبي بالرباط إلى غاية نهاية شهر غشت، ويضم الأعمال التشكيلية الجديدة للفنان التشكيلي المبدع سيدي محمد المنصوري الإدريسي، الذي أبى إلا أن يحتضن، في تجاور خلاّق وتلاقح بهي، أعمال الفنان الموهوب محمد الشرقاوي سلامي، دعما منه للمواهب الشابة وتهيئ الفرصة المواتية لهم لعرض أعمالهم الإبداعية، وذلك توثيقاً للوشائج الإبداعية التي تصل بين الأجيال، ويحتضن فيها الجيل المكرّس الجيل الواعد.
واعتبر فنان تشكيلي وناقد بنيونس عميروش أن فتنة اللون هي ما يشد العين أكثر في الطبيعة وهو ما يشكل قطب الرحى في لوحات محمد المنصوري الإدريسي، المطبوعة بسخاء كروماتيكي مُلفِت يقربنا من جاذبية الطبيعة، بقدر ما يحيلنا على مخزون الحبور والمرح في نفوسنا، إذ تُقْحِمنا القماشات داخل مناظر احتفالية تنسجم فيها الإيقاعات عبر نوع من “السماع” البصري الموصول بأنساق ضوئية ترسم الحدود وتُرَتِّب التدرجات دون أي تهيُّب من فيض المادة اللونية ومجراها. بحيث أن الأمر يتعلق في العمق بمتوالية كروماتيكية مسترسلة، فكل لوحة هي بمثابة استكمال للسابقة وبداية للاحقة، بالشاكلة التي تتكامل فيها الأعمال وتتماهى لاستدراج امتدادات المرئي واللامرئي، كما هو الشأن في استقبال مشهدية التراب المُزْهر والمترامي الأطراف، فيما الأجساد المنبثقة من رحم اللون، تزكي البعد الأنساني وحضوره، ك “موتيفات” طبيعية بدورها، للإحالة على الاعتبار القائلبالأصل الترابي الكامن في الكائن البشري الذي يعود إلى التراب بعد الممات فيتحول إلى سماد نباتي، كي يُزْهِر من جديد. بينما انبعاث الأجساد الراقصة، المختزلة والأنثوية بالتشديد على انْحِناءات النَّهْد والرَّدْف، إنما قَصدية للثَّناء على تأنيث الطبيعة الوَلود المتناغمة مع المرأة الوَلود. ليخلص في دراسته إلى أنه بقدر ما يتوغل الحس الغنائي Lyrique في ثنايا ألوانه الرفرافة، بقدر ما تحركه نباهة العقل في جعل العمل الفني داخل المحك الفكري، ما يدفعنا لنعت محمد المنصوري الإدريسي بالفنان العضوي الذي لا يطاوع رغبة الانزواء في المحترف، بل يبحث أيضا في إيجاد سبل التنوير، والدفع بالممارسة الفنية نحو التنظيم والتأطير الذي يتجاوز إثبات وجهها المشهدي، في اتجاه وضعها داخل المحك الثقافي بقضاياه وأسئلته وإخفاقاته وآفاقه.
في نفس السياق، يتحدث باحث في الجماليات إدريس كثير عما أسماه بشغف الألوان في تجربة الفنان التشكيلي محمد الادريسي المنصوري الذي يتميز بشغفه الاستثنائي بالألوان، فكل لوحاته أقراص وأقنام من قبس قوس قزح . قزحية الألوان الطبيعية و ما فوق الطبيعية . امتزاجها و تمازجها هما اللوحة المضمخة ، الحبلى برحيق الألوان وما بعد الألوان في هيئة كائنات هلامية لونية ، لوينات ما فوق الحمراء و ما فوق البنفسجية. موضحا أن هناك في الأفق ألوان زاهية، تتزاوج و تتكوثر و لا يمكن أن يتم تزاوجها دون إيروسية هلامية في شكل هودج إهليلجي أو هلالي و في هيئة هزبر همام أو هرم هائل أو نور هائم بهوس هائج تارة و هامد هادئ تارة أخرى ، لا تدركه إلا هيرمونيطيقا خاصة بقوة الهاءات لا الآهات بدءا من هابل المسبار إلى هالة الكوصموص إلى هاجس النفس . كل هذه الأشكال لونها هو ذاتها هو جوهرها .ليخلص إلى أن روحانية فنية تتوسل للعماء ( الكاووص )عينا وتغوص فيها بدون يقينيات ولا دوغما. تنهل الأجوبة الممكنة لما تم ترتيبه فيما سميناه الكوصموص . ذهابا وإيابا باستمرار و في كل أوبة هناك لوحة عبارة عن جواب عن حلم عما ظن خيرا و كأن الفنان يغمس أصبعيه قبل ريشته في ضباب العالم هناك و يقطف هذا اللون أو ذاك من بهاء السماء وغياهب الفناء و يحاول جاهدا تشخيصه لنا أمامنا و من أجلنا .
أما الفنان التشكيلي العراقي غالب المنصوري فيعتقد أن إبداعات الفنان التشكيلي المغربي محمد المنصوري الإدريسي وروائعه وأسلوبه المتميز والمتفرد تتميز بتكوينات عائمة في بحر من الألوان يقود سيمفونيتها براعة يد وعقل يعي كيفية معالجة هذا الزخم الإنشائي بنجاح حتى يحقق إبهارا للمتلقي بدون الوقوع في الرتابة والملل ..البريق الزاهي يشي برغبة مبدعها بتحقيق تماهيا مع الفولكلور الشعبي مثل الزجاج الملون الذي تشتهر به شبابيك وأبواب الأبنية المغاربية عندما تتعرض لأشعة النور وقناديلها المدلاة بثرياتها المتوهجة عبر كريستال ساحر وكذا المنسوجات التقليدية أيضا التي تقرب رؤية الفنان ببيئته الشرقية والامتاح من ملح ذائقة قوامها التقشف في الأشكال مع البذخ اللوني المبهج …فحياة الشرقي وفنونه هي رقصة لدرويش ينتشي من لوعة زهده ونبذه لموائد الدنيا وزخرفها بالاستعاضة ! .وما المبدع إلا إنسان قد تعامل مع المحيط بحساسية وأمانة فهو يؤرخ ويؤرشف لفلسفة امة مستخلصا قيمها و ميثيولوجيتها عبر أثره المبدع بصبر وأناة …الفنان محمد المنصوري ملتحم بتاريخه ومرتبط بجذوره بالتأكيد لذا لا مجال لنا إلا ان نصدق نبوءته ونبارك أحلامه الكبيرة لأنه فنان حقيقي كبير.