نحو وضع برنامج عمل دولي لمكافحة الفساد في السنوات القادمة
شرم الشيخ، 12 كانون الأول/ديسمبر (دائرة الأمم المتحدة للإعلام)، يعدّ مؤتمر الأمم المتحدة المنعقد في شرم الشيخ علامةً فارقة عالمية لتحسين التعاون الدولي ضدّ الفساد ومساعدة العالم على التعافي بنزاهة من الوباء. وستدعم الدورة التاسعة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في الفترة الممتدة من 13 إلى 17 كانون الأول/ديسمبر 2021 أيضًا الجهود المبذولة لاستعادة الأمانة العامة، وتمتين المؤسسات الفعالة، وتعزيز التنمية المستدامة، والتعافي بنزاهة من جائحة كوفيد-19 وضمان الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
إنها المرة الثانية التي ينعقد فيها مؤتمر الدول الأطراف في القارة الإفريقية. ومن المتوقع أن يشارك حوالي 2700 مشارك من الحكومات، والمنظمات الإقليمية، والمنظمات الحكومية الدولية، والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص في مصر أو عبر الإنترنت.
كان هذا العام، 2021، عامًا بارزًا على صعيد العمل عالمياً لمكافحة الفساد. في حزيران/يونيو، اجتمع العالم في الدورة الاستثنائية الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNGASS)، وتمّ اعتماد إعلانٍ سياسيٍّ قوي لتكثيف إجراءات مكافحة الفساد وتسريع تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد – الأداة العالمية الوحيدة الملزمة قانونًا ضدّ هذه الجريمة.
كل عامين، تجتمع الدول الأطراف في الاتفاقية لاستعراض تنفيذ الاتفاقية ومناقشة الكيفية التي يمكن بها للدول معالجة الفساد بشكلٍ أفضل. ومن بين المواضيع التي ستناقش في الدورة التاسعة، الوقاية واسترداد الأصول المنهوبة والتعاون الدولي، فضلاً عن قضايا الساعة مثل الملكية الفعلية وكيفية المضي قدماً في الالتزامات الواردة في الإعلان السياسي للدورة الاستثنائية للجمعية العامة لمكافحة الفساد.
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد
دخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ في كانون الأول/ديسمبر 2005 وحصلت على الامتثال العالمي تقريباً، حيث صدّقت عليها كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تقريباً، وبلغ عددها 189 دولة. أحدث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي انضمّت إليها هي الصومال وسورينام.
بموجب الاتفاقية، تلتزم الدول قانونًا بمنع الفساد وتجريمه؛ تعزيز التعاون الدولي؛ استعادة وإعادة الأموال المنهوبة؛ وتحسين المساعدة التقنية وتبادل المعلومات في كلٍّ من القطاعين العام والخاص.
تجريم الفساد
تُلزم الاتفاقية الدول بتجريم مجموعةٍ واسعة من أعمال الفساد، بما في ذلك ليس فقط أعمال الفساد الكلاسيكية مثل الرشوة واختلاس الأموال العامة فحسب، ولكن أيضًا المتاجرة بالنفوذ وإساءة استخدام الوظائف وإخفاء عائدات الفساد وتبييضها. تغطّي الإتفاقية أيضاً الفساد في القطاع الخاص.
منع الفساد
إنّ التدابير الفعّالة لمنع الفساد أمرٌ حيوي لضمان الأمانة العامة وفعالية المؤسسات والتنمية المستدامة. الفصل الثاني بأكمله من الاتفاقية مكرّس لمنع الفساد من خلال تدابير موجّهة إلى كلّ من القطاعين العام والخاص، تتراوح من إنشاء هيئات لمكافحة الفساد إلى تعزيز الشفافية في تمويل الحملات الانتخابية والأحزاب السياسية. ينبغي للدول أن تشجّع التوظيف الفعّال والشفّاف المستند إلى الجدارة، وكذلك مدوّنات قواعد السلوك للموظفين العموميين إلى جانب طلبات إفصاحهم المالي وتضارب المصالح، ولتخاذ إجراءات تأديبية مناسبة بحقّ الموظفين العموميين الذين لا يلتزمون بهذه التدابير. يتطلّب منع الفساد أيضًا إشراك المجتمع ككلّ بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والمجتمعية.
التعاون الدولي
تلتزم الدول بموجب الاتفاقية بأن تقدّم لبعضها البعض أوسع نطاقٍ من المساعدة القانونية المتبادلة في التحقيقات والملاحقات والإجراءات القضائية. اتفقت الدول على التعاون فيما بينها في مجموعة متنوعة من المسائل الجنائية المتعلقة بالفساد، وهي مطالبة باتخاذ إجراءات من شأنها أن تدعم تعقّب عائدات الفساد وتجميدها وضبطها ومصادرتها.
استرداد الأصول المنهوبة
إن إعادة الأصول المنهوبة هو مبدأ أساسي من مبادئ الاتفاقية، ويجب على الدول أن تتعاون مع بعضها البعض بشكلٍ كامل لتحويل أحكام الاتفاقية إلى حقيقةٍ واقعة. كانت الإعادة الإلزامية للموجودات إلى بلدها الأصلي في حالة اختلاس الأموال العامة أمرًا جديدًا في وقت اعتماد الاتفاقية، ويمكن رؤية بعض التقدم على شكل عوائد ناجحة للموجودات على أساس الاتفاقية.
في حين أنّ الفساد ظاهرة عالمية، فإنّ استرداد الموجودات مهمّ بشكلٍ خاص للعديد من البلدان النامية حيث أهلك الفساد الثروة الوطنية وحيث توجد حاجة ماسة إلى الموارد لتمويل التنمية المستدامة. يدعم الاسترداد الفعال للموجودات الجهود المبذولة لمعالجة أسوأ آثار الفساد مع إرسال رسالةٍ إلى المسؤولين الفاسدين مفادها أنه لن يكون هناك مكان لإخفاء أموالهم غير المشروعة.
كيف تعمل الاتفاقية
من خلال آلية استعراض تنفيذ الاتفاقية، وافقت الدول الأطراف على المشاركة في عمليةٍ تقيّم كيفية وفائها بالتزاماتها بموجب الاتفاقية. تهدف عملية استعراض الأقران هذه إلى تحديد الممارسات الجيدة والتحديات في القوانين والعمليات والأطر المؤسسية الوطنية لمكافحة الفساد.
غطّت دورة الاستعراض الأولى التي بدأت في عام 2010 فصول اتفاقية التجريم وإنفاذ القانون والتعاون الدولي. بدأت الدورة الثانية من الاستعراضات في عام 2015 وهي تغطّي الفصول المتعلّقة بالتدابير الوقائية واسترداد الموجودات.
عقب الملاحظات التي أبديت خلال عملية الاستعراض، اتخذت دول عديدة تدابير مختلفة لتعزيز أطرها الخاصة بمكافحة الفساد. وتشمل هذه الخطوات إنشاء تشريعاتٍ جديدةٍ، كما وسلطاتٍ جديدةٍ ومستقلةٍ لمكافحة الفساد، والمشاركة النشطة للقطاع الخاص، وحواراً مفتوحاً مع المجتمع المدني أو تحسين أطر استرداد الموجودات.
وكرّرت الدول الأطراف دعمها لآلية الاستعراض وأكّدت من جديد على الدور الإيجابي الذي تؤدّيه في تعزيز تنفيذ الاتفاقية. يتمثّل أحد عناصر نجاحها في رغبة الدول في تبادل خبراتها والتعلّم من بعضها البعض.
منذ بدايتها في عام 2010، كان هناك 230 موجزاً تنفيذيًا وما يقارب 200 استعراضاً قطريّاً مكتملاً. تُنشر الموجزات التنفيذية كوثائق رسمية للأمم المتحدة بلغتها الرسمية الست.
كان الجائحة كوفيد-19 تأثير سلبي على وتيرة الاستعراضات، ولا سيما الزيارات القطرية. ويُتوقّع حدوث مزيد من التأخيرات بسبب انضمام دول أطراف إضافية إلى الاتفاقية لم يتمّ استعراضها بعد في كلتا دورتي آلية الاستعراض. في حين تم تمديد فترة استكمال الدورة الثانية حتى عام 2024، سيتعيّن بذل جهود كبيرة لإكمال الدورة ضمن الإطار الزمني الممتد.
إجراءات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لمكافحة الفساد
يقدّم مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) المساعدة التقنية والتدريب لدعم الدول في تنفيذ الاتفاقية. من خلال برنامجه العالمي لمكافحة الفساد ووجوده الميداني الواسع، يدعم المكتب 116 دولة.
يعمل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة كأمانة تنفيذية لأداة عالمية قوية جديدة في مكافحة الفساد، وهي شبكة غلوب GlobE Network. تمّ تصميم هذه الشبكة خلال رئاسة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين والاجتماع الوزاري الأول لمجموعة العشرين لمكافحة الفساد في عام 2020 وتم إطلاقها في الجمعية العامة للأمم المتحدة في حزيران/يونيو. تهدف الشبكة إلى تحسين التعاون المباشر بين سلطات إنفاذ القانون في البلدان، بما يتماشى مع بند رئيسي من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
تربط شبكة GlobE بين سلطات إنفاذ قانون مكافحة الفساد لتسهيل التحقيقات والمقاضاة من خلال التعاون عبر الحدود وتبادل المعلومات وعدم ترك ملاذ آمن للفساد. وقد انضمّت حتى الآن 79 سلطة إنفاذ قانون مكافحة الفساد من 47 دولة. الهدف على المدى البعيد هو العضوية العالمية من قبل كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
بالتعاون مع البنك الدولي، أنشأ مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة المبادرة المشتركة استرداد الموجودات المنهوبة (ستار) (StAR) التي تقدّم المساعدة للدول منذ عام 2007 لدعم استرداد الموجودات المنهوبة والجهود الدولية لإنهاء الملاذات الآمنة للأموال الفاسدة والتدفقات المالية غير المشروعة. في عام 2021 حتى أيلول/سبتمبر، تلقّت 17 دولة المساعدة وتمّ تدريب أكثر من 900 شخص من خلال مبادرة ستار