سلا/ حنضلة بوخيمة
أولت الشريعة الإسلامية اهتماما بالغا للعلم، وحضت عليه، ورتبت على ذلك أجرا كبيرا سواء للعالم أو المتعلم، فقد أعلى الله سبحانه و تعالى قدر العلماء فقال عز وجل: ﴿ يَرْفَعِ الّلهِ الذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١]. وربط العلم بالخشية فقال عز من قائل: ﴿ إِنّمَا يَخْشَى الّلهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢]. وجاء في سنن أبي داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، وصححه ابن حبان عن أبي الدرداء مرفوعا: « مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَريقاً إِلى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَها لِطالِبِ العِلْمِ رِضاً بِما يَصْنَعُ ، وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في السَّماواتِ وَمَنْ في الأَرْضِ حَتّى الحيتانُ في المَاءِ ، وَفَضْلُ العالِمِ عَلى العابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ عَلى سائِرِ الكواكِبِ ، وَإِنَّ العُلماءَ وَرَثَةُ الأَنْبِياءِ لَمْ يُورِثوا ديناراً وَلا دِرْهَماً إِنَّما وَرَّثوا العِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» . كما روى الترمذي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « أَلا إِنَّ الدُّنْيا مَلْعونَةٌ مَلْعُونٌ ما فيها، إِلاَّ ذِكْرُ اللهِ وَما والاهُ، وَعالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ ». والمقصود من الحديث أنها مبعدة عن الله والدار الآخرة لذلك ذمت. قال في جامع العلوم والحكم: فالدنيا وكل ما فيها ملعونة، أي مبعدة عن الله؛ لأنها تشغل عنه، إلا العلم النافع الدال على الله وعلى معرفته، وطلب قربه ورضاه، وذكر الله وما والاه، مما يقرب من الله. فهذا هو المقصود من الدنيا؛ فإن الله إنما أمر عباده بأن يتقوه ويطيعوه، ولازم ذلك دوام ذكره كما قال ابن مسعود: « تقوى الله حق تقواه: أن يذكر فلا ينسى »، وإنما شرع الله إقام الصلاة لذكره، وكذلك الحج والطواف بل وسائر العبادات ، وأفضل أهل العبادات أكثرهم لله ذكرا فيها. فهذا كله ليس من الدنيا المذمومة، وهو المقصود من إيجاد الدنيا وأهلها؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾.
من هذا المنطلق ارتأى القائمون على مسجد السنة بقرية أولاد موسى وبدعم من المجلس العلمي المحلي لمدينة سلا ، على تنظيم دورات علمية في المتون الشرعية ابتغاء نشر العلم وبثه لا سيما في عصرنا هذا الذي زهد فيه في العلم، وأصبح أكثر الناس لا يرفع به رأسا. فبدأت هذه الدورات سنة 1433 هـ لتستمر في صيف كل سنة اغتناما للعطلة الصيفية التي يكون فيها الطلبة متفرغين لذلك. وقد كان الهدف من هذه الدورات هو ربط طلبة العلم وعامة الناس بالعلم الشرعي، وتكوين طالب علم متحل بالسمت الحسن، وتأصيله في المذهب المالكي مع ربطه بالدليل. بعد استشارة المجلس العلمي المحلي لعمالة سلا ممثلا في شخص رئيسه الأستاذ الدكتور محمد بوطربوش، تم تنظيم أول دورة علمية في صيف
سنة 1433 هـ وقد تزامنت مع شهر رمضان الكريم، ثم ما فتئت تقام بشكل منتظم كل سنة، بعد أن لقيت استحسانا و إقبالا متزايدا من طرف الطلبة وعامة الناس. امتدت الدورة العلمية الأولى من يوم الأحد 19 شعبان الموافق لـ 8 يوليوز 2012 إلى 29 رمضان 1433 هـ، حيث كان عدد الطلبة المسجلين يناهز 130: 80 طالبا و 50 طالبة. وقد كانت المتون المقررة خلال هذه الدورة هي: متن ابن عاشر في الفقه، ومتن الورقات في أصول الفقه، ومتن الأربعين النووية في الحديث، ومتن البيقونية في مصطلح الحديث، ومتن الآجرومية في اللغة العربية.
وفي صيف السنة الموالية تم تنظيم الدورة العلمية الثانية من يوم الأحد 21 شعبان 1434 الموافق ل 30 يونيو 2013 إلى 29 رمضان 1434 هـ، عرفت هذه الدورة تزايدا ملحوظا في عدد الطلبة المسجلين حيث بلغ 215، يتوزعون بين 121 طالبا و 94 طالبة. تقرر خلالها تدريس المتون التالية: : كتاب وقوت الصلاة والطهارة من موطأ الإمام مالك، ونظم الجمل لابن المجراد السلاوي، وفقه المعاملات من متن الدرر البهية للشوكاني، ونظم السجاعي في البلاغة، ومقدمة في أصول التفسير، وتفسير سورة الحجرات. ثم أقيمت الدورة العلمية في نسختها الثالثة من يوم الجمعة 29 شعبان 1435 الموافق لـ 27 يونيو 2014 إلى 29 رمضان 1435لتعرف تحسنا ملحوظا من حيث الكم والكيف، فمن حيث الكم عرفت إقبالا متزايدا من طرف الطلبة، حيث وصل عدد المسجلين 158 طالبا و 92 طالبة، أي ما مجموعه 250 طالبا. ومن حيث الكيف تم اعتماد تقنية البث الحي لتمكين الطلبة الذين تعذر عليهم الحضور من الاستفادة من الدروس العلمية. كما تكونت هذه الدورة من مستويين: -مستوى ابتدائي: وقد كانت المتون المقررة فيه: الأجرومية، البيقونية، الأربعين النووية، الورقات، فقه الصلاة والطهارة من متن ابن عاشر. -مستوى تكميلي: وقد كانت المتون المقررة فيه: مقدمة رسالة ابن أبي زيد، موطأمن كتاب الصلاة إلى كتاب الجنائز)، فقه الأسرة من متن الدرر البهية للشوكاني.
وفي صيف لسنة 2019 م/1440هــــ ارتأى المجلس العلمي المحلي لمدينة سلا وبتنسيق
من المندوبية الإقليمة للشؤون الإسلامية بسلا ، أن يشرفوا على إعطاء انطلاقة افتتاح الدورة العلمية الثامنة بمسجد أنس بن مالك بقرية أولاد موسى بسلا، من يوم الأحد 30 يونيو إلى30 يوليوز 2019 ، وتخصص هذه الدورة العلمية للإمام ابن العربي (ت 543هــ) في المتون الشرعية التالية : المستوى الأول : الأجرومية _ الورقات _ نظم ابن عاشر _البيقونية _وفي المستوى الثاني : مفتاح الوصول _ نخبة الفكر _ ويشرف على هذه الدورة العلمية الناجحة بامتياز وعاظ ومرشدين تابعين للمجلس العلمي المحلي لعمالة سلا ، من أجل تتبع قيم ونشر العلمالصحيح للناشىئة.
وهذه الدورة العلمية تحظى بعناية واسعة ودقيقة من طرف المجلس العلمي المحلي لعمالة سلا والمندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية بسلا .
وتجدر الإشارة إلى أنه تخلل هذه الدورات حِلق لِحفظ المتون المقررة، واختبارات كتابية، كما تم ضبط الغياب، لتختم كل دورة بحفل ختامي حضره ثلة من العلماء الأجلاء وتم توزيع جوائز تقديرية على جميع الطلبة المشاركين في الدورة حسب الأولوية مع منحهم إجازة في المتون التي شاركوا فيها إلى نهاية اختتام الدورة العلمية.