-
مقدمة لا علاقة لها بما سيأتي
تحكي إحدى القصص الشعبية، أن سيدي موسى اوصالح نزيل”حفيرة العطار” حين غضب على ساكنة حي “لمكاز” إذ اتهموه بسرقة
“دولة أهل صفرو” حمل أمتعته وغادر المدينة أسفا غضبا،اتجه غربا في اتجاه عالية الوادي و حيثما وضع عكازته تفجر نبع تحتها…..هل هذا ما يفسر عدم تأثر وادي أكاي بسنين الجفاف المتتالية؟هل هذا ما يفسر وجود جل عيون الوادي على يساره؟هل الحكاية الشعبية تحمل تكثيفا لواقع محدد؟هي أسئلة ليس مجالها هنا و قد نعود لها في مناسبة أخرى
واحة صفرو هبة وادي أكاي
أمن وادي أكاي الاستقرار للساكنة على ضفافه ، ذلك ما تكشف عنه الكهوف المطلة عليه و معالم الاستقرار القديمة كما تبينها أسماء الأماكن على طوله و بمحاذاته : دار العطار،عين القاضي ،خلوة سيدي عبد العزيز،كاف المومن…..عين الغازي و هي معطيات كان من الممكن أن تكشف لنا معالم التمدن بالمغرب القديم عموما و المنطقة بشكل خاص لولا ضعف الاهتمام بالبحث العلمي بالمنطقة في هذا المجال
استطاع سكان المدينة القدامى أن يؤمنوا توازنا رائعا بين المجال العمراني و المجال الزراعي ، بحيث تم اعتماد شبكة ري محكمة لتوزيع مياه الري بين الساكنة خاصة ري الحقول القريبة للمدينة و هو المجال الذي يعرف بواحة صفرو، وهو التوزيع الذي لم يغفل الاستعمالات الحضرية للماء لتزويد الدور و المساجد و الحمامات وتدوير الرحي على جنابته أو على بعض السواقي ، و هو ما تم تكريسه في عدد من النصوص سواء الحوالات الحبسية أو المراسيم العديدة التي تم نشرها بالجريدة الرسميةفي السنوات الأولى لدخول الاستعمار للمغرب، وظفت السلطات الاستعمارية عددا من الكورسيكيين بالمنطقة(ما تزال ليومنا بعض المشاكل المترتبة عن ذلك :حالة ايت خليفة على سبيل المثال) وعمدت السلطات إلى تمتيع المستوطنين بامتيازات هائلة منها حرمان سافلة الوادي من حقوقها في مياه الوادي و أعدمت بذلك عددا من المنشئات الفنية(سد أمسيون على سبيل المثال) و عددا من السواقي التي كانت تؤمن الري لضفة الوادي اليسارية مقابل تأمين ري حقول المستوطنين من خلال رفع نسبة استفادة ساقيتي الشويشة و تافروت حيث تم اعتماد فلاحات تسويقية أشهرها الكرز، التوت الأرضي
أحدثت السلطات الاستعمارية مجالا صغيرا/متوسطا لري الحقول المحيطة للمجال العمراني، و اعتبارا لارتفاع تحملاته التي قد لا تساوي مداخيله ، أحدثت جمعية أوكل لها تدبير شبكة الري سميت ” الجمعية الفلاحية النقابية ذات الامتياز لواحة صفرو” و التي مدتها بالتأطير التقني و القانوني حتي يتسنى لها القيام بالاشراف على توزيع مياه الري بين ذوي الحقوق و كذلك اصلاح و تنقية السواقي و تطويرها.عززت الادارة كل هذا بنصين تشريعيين صدرا سنتي 55و 56 من القر ن الماضي هما تحديد ذوي الحقوق على أساس القطع المسقية و نص يحددد حصص سواقي المدينة من ماء الوادي و الاسخدامات غير الفلاحية لماء وادي أكاي، وهي الجمعية التي غير اسمها فيما بعد إلى جمعية مستعملي المياه المخصصة للري تبعا لصدور قانون الماء و احداث وكالات الأحواض المائية و هو موضوع سنعرج عليه لاحقا
قسمت الإدارة سنة 1955 مياه وادي أكاي ضمن واحة صفرو إلى 25 جزءا وذلك كالتالي 4.5 جزءا لساقية الشويشة يخصص تسعها للاستخدام الحضري،سافية القنيطرة 3 أجزاء سدسها للاستخدام الحضري،ساقية الغار3أجزاء، ساقية تافروت 3 أجزاء و ساقية بوفراك 8 أجزاء ربعها للاستخدام الحضري أمام الأجزاء المتبقية(3.5/25) فعينت للتنقية الذاتية للوادي و ضمان التوازن البيئي أولا و لتوريد دواب و مواشي فلاحي السافلة بالكلات و دار العطار بالتناوب أساسا ، و لتأمين المياه بالمسبح البلدي خلال موسم اشتغالهأمن واد أكاي مياها للري على طول روافده و امتداده باعتباره رافدا من روافد واد سبو ، فاستفادت منه ساكنة عدد من الجماعات المحلية حسب التقسيم الجماعي المعمول به حاليا و هي الجماعة القروية لكندر سيدي اخير ، الجماعة القروية لأغبالو أقورار ، الجماعة القروية لسيدي يوسف بن أحمد و الجماعة الحضرية للبهاليل ناهيك عن الجماعة الحضرية لصفرو ، و إذا كانت الجماعات الأربعة الأولى استفادت من مياه أكاي أساسا في ري حقولها و ضمان مياه الشرب لقطعان مواشيها و دوابها،فإن ساكنة مدينة صفرو استفادت من الواد أكثر من جيرانها لتعدد أنواع استعمال مياهه الذي تنوعت بين الاستعمال الفلاحي و الاستعمالات الحضرية الأخرى خاصة قبل الفيضان الشهير(الحملة كما تسمى محليا) لسنة 1950
الاستعمال الزراعي
أمن واد أكاي ري حقول ساكنة صفرو بواسطة شبكة للري تقليدية امتدت من “سد حمو العرفاوي” إلى حدود “لكلات Laglat” و “دار العطار” وذلك بانشاء عدد من السدود Des digues
و”مقاسم” المياه” تفرعت عنها سواقي متعددة منها ما اندثر ومنها ما يزال مستمرا و منها ما بقي شاهدا على ابداع و اشتغال القدامى، بعد دخول الاستعمارحرمت السلطات الاستعمارية سافلة الوادي لضمان ري حقول المستعمرين و لأجل ذلك قامت قامت باستثمارات مهمة بموازاة مع انشاء شبكة توزيع الكهرباء و اعتبارا لكون حجم العائدات المتواضع مقارنة بالميزانية المفترضة لتسيير الشبكة أحدثت لأجل ذلك ” الجمعية الفلاحية النقابية ذات الامتياز لواحة صفرو” وعززتها بتأطير تقني من طرف المصالح الفلاحية و تأطيرقانوني لاستخلاص”وجيبات” الانخراط و المساهمة في نفقات الجمعية :أداء تعويضات حراس الماء(الجراي) نفقات تنقية السواقي و قطع الحشائش،نفقات تسيير الجمعية…الخ..الخ .كما عززت أداء الجمعية باصدار مرسومين أحدهما يعنى بتوزيع مياه السقي بين السواقي الخمس الرئيسية التي تتفرع عنها 19 ساقية أما المرسوم الثاني فهم تحديد نسب ري ذوي حقوق الري مع تبيان المساحات و قابليتها للري وهو نظام استمر به العمل سنينا طويلة بالرغم من النقص المضطرد في المساحات المسقيةأكاي من مهيكل أساسي إلى مشكل هيكلي
تقلييدا ،أمن واد أكاي ري الحقول المحاذية للمدينة القديمة وحي القلعة ،والمياه الموجهة للإستعمالات الحضرية ومنها ،تزويد عدد من المنازل بالماء ،والحمامات والمساجد والزوايا إضافة لعدد من السقايات العمومية ،وهو ما يكشف تمكن أهل صفرو من فنون العمارة ،وكذلك أمن الواد القوة الكافية لتحريك الرحي المنتشرة على ضفتيه وبعض السواقي خاصة سافلة سد سيدي عمرو ودرب القندوسي وساقية بوفراك ،والمغاسل العمومية على سريره وغديوة .
في الفترة الإستعمارية (دخلت القوات الإستعمارية لمدينة صفرو سنة 1911 ) أضيفت وظائف جديدة للواد خاصة بعد اكتشاف الشلالات وتهيئ موقعها وإحداث فندق بالقرب من مساقطها ،كانت الشلالات من أول الإستخدامات غير التقليدية لواد أكاي ،من بين الإستخدامات الأخرى توظيف صبيبه لمحركات معمل إنتاج الطاقة الكهرومائية مع ما رافق ذلك من بناء منشآت فنية على سريره وعلى جزء من جنباته وإدخال مواد بناء جديدة لتأمين ذلك وبناء جزء من سواقي واحة صفرو بإستعمال الإسمنت المسلح على سبيل المثال ،وأحدث شبكة ري “للإستعمال غير الفلاحي ” مثل سقي حدائق ” الفيلات ” وري الحدائق العمومية الممتدة من باب المقام إلى شارع فرنسا (شارع محمد الخامس حاليا ) بواسطة السواقي الثانوية المتفرعة عن شواي القنيطرة ،الغار والشويشة
استخدام جديد أضيف لماء واد أكاي وهو توظيفه للإستعمالات الرياضية والسياحية وذلك بإحداث المسبح البلدي الذي كان في بدايته حكرا على المعمرين الفرنسيين ويهود صفرو دون مسلميها
مع تمكين المدينة العتيقة أساسا من شبكة للصرف الصحي تحول واد أكاي إلى قناة رئيسية للصرف الصحي ابتداء من قنطرة حي ناس أعدلون ،وقناة لتصريف المياه العادمة مع احداث مناطق صناعية (آخرها خلال سبعينيات القرن الماضي ) قبل قنطرة الطريق السياحية ،ومطرحا عموميا للنفايات المنزلية وغيرها المترتبة عن أنشطة بعض الأنشطة التي نبتت داخل المدينة العتيقة في غفلة وصمت
أعطاب أخرى أصابت واد أكاي منها تصحر جزء من عاليته وأنشطة المقالع ،وترامي البعض على أجزاء من الملك العمومي المائي واستغلالها لأغراض زراعية ، وإحداث ثقوب مائية وآبار على سرير الواد من طرف الإدارة والخواص ،ولعل هذا الاستنزاف هو ما ساهم في تحول سافلة الواد إلى واد للمياه العادمة والصرف الصحي بالنظر لكون مدينة صفرو ترمي بمياهها العادمة والواد الحار في نقط مختلفة من المجرى
ولعل أكبر عطب أصاب واد أكايفي مقتل هو تعميق مجراه وسط المدينة العتيقة عقب فيضان 1950 ( الحملة ) وبناء أسوار على جنباته خاصة على مستوى ” الجردة د لابيسين ” بعد فيضان 1977
المدخل الأساسي لمعالجة الإختلالات التي طرأت على واد أگّاي لا يمكن أن يتأسس إلا على قاعدة مصالحة الساكنة مع مجالها المشترك ،وتحمل المجتمع السياسي والمجتمع المدني مَسؤوليتهما كاملة كل من موقعه ومجال تدخله على قاعدة مقاربة تشاركية دون تبعية أو إلحاقيةالشاون في 17 ماي 2019
محمد كمال المريني