بيروت، 14 أيار/مايو 2019 (الإسكوا)–تظهر الدراسات أنّ معدل البطالة بين الشباب في المنطقة العربية يبلغ ضعف المتوسط العالمي وأنّ الفقر المتعدد الأبعاد يرهق 40 بالمئة من سكانها. في هذا الإطار، عقدت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في مقرّها في بيروت على مدى يومين اجتماعًا للخبراء حمل عنوان “عدمإهمال احد: الوصول إلى أكثر الفئات المهمشة في بلدان مختارة في المنطقة العربية” وتحديدًا في كلّ من تونس ولبنان ومصر.
والاجتماع الذي نظمته الإسكوا بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ومركز الدراسات اللبنانية في الجامعة اللبنانية الأمريكية يومي 13 و14 أيار/مايو كان فرصة لمراجعة التقرير قيد الإعداد الذي يحمل العنوان نفسه والذي يركز على دراسة ثلاث حالات هي: سكان الريف الجنوبي والمناطق الغربية في تونس؛ وسكان المقابر في مصر؛ وسكان منطقة التبانة في شمال لبنان.
وفي كلمتها الافتتاحية، قالت الأمينة التنفيذية للإسكوا الدكتورة رولا دشتي إنّ عدد سكان المنطقة العربية المتأثرين بالنزاعات يقدَّر أن يرتفع إلى أكثر من 300 مليون في عام 2020، واصفةً ذلك بالتحولات والتغيّرات المتسارعة التي تعيد رسم ملامح المنطقة العربية وتلقي بوزرها الأكبر على الفئات الأكثر ضعفًا.
واعتبرت دشتي أنّ عدم توافر البيانات الموثوقة وحسنة التوقيت والمصنّفة “يحول دون الإلمام بأوضاع الفئات المهمّشة وبالتالي دون تلبية احتياجاتها” وشددت على أن ذلك “يتطلب من الحكومات الاستثمار في توفير البيانات وجودتها”. وقالت: “إنّ الإسكوا، بما تعدّه من إحصاءات ودراسات، تؤازر بلدانها الأعضاء لاعتماد تقنيات خارجة عن المألوف من أجل تكوين صورة وافية عن احتياجات الفئات الضعيفة وظروفها”.
ودعت الأمينة التنفيذية إلى وضع سياسات اقتصادية واجتماعية عادلة وتشاركية وشاملة لا تهمل أحدًا. وقالت: “لتعزيز كفاءتها، لا بدّ من آليات غير تقليدية للتنفيذ والمتابعة والمساءلة”.
وناقش الخبراء الأسباب الجذرية للتهميش في المنطقة العربية عمومًا وفي الدول المختارة تحديدًا. وخرج عنه توصيات للسياسة العامة للتغلب على الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي وتشجيع بناء مؤسسات لا تقصي أو تهمل أحدًا.
من جهتها، تناولت اخصائية العلوم الاجتماعية والإنسانية في المكتب الإقليمي لليونسكو سيكو سوجيتا أسباب عدم المساواة في المنطقة العربية، بما في ذلك العنف والنزاعات والاحتلال العسكري والتحرر الاقتصادي وغيرها. وقالت إن طبيعة خطة 2030 للتنمية المستدامة المتكاملة وأهدافها السبعة عشر تتطلب اتساقًا أكبر للسياسات على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال روابط أقوى بين بحوث العلوم الاجتماعية وصنع السياسات.
وبحسب الدراسات، بلغ عام 2008 عدد الذين يعيشون في مقابر القاهرة 1.5 مليون شخص ومن المقدر حاليًا أن يكون هذا العدد وصل إلى ما يزيد عن 1.9 مليون. وفي لبنان، تشير الدراسات إلى أنّ منطقة التبانة تعاني من التهميش نتيجة غياب الإرادة السياسية والمركزية، بينما يبقى العمال المياومون والشباب والمسنون والأشخاص ذوو الإعاقة أكثر الفئات تهميشًا.
من جهة أخرى، من أبرز أسباب التهميش الاقتصادي لسكان الريف الجنوبي والمناطق الغربية في تونس عدم القدرة على استقطاب الاستثمار الخاص الوطني والأجنبي وارتفاع نسب البطالة بين الشباب وضعف الكثافة السكانية وغياب التوطن الصناعي وضعف خلق فرص العمل الحديثة التي تؤدي جميعها إلى موجات واسعة من النزوح الداخلي والهجرة.
وقد شهد الاجتماع كلمة رئيسية لممثلة مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين في لبنان ميراي جيرارد التي قالت “إنّ عددًا كبيرًا من الناس أجبروا على الفرار من ديارهم بشكل لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية. وهذا العدد يزداد باستمرار: حاليًا، هناك أكثر من 68 مليون نازح قسري على مستوى العالم، بينهم أكثر من 25 مليون لاجئ”. وأضافت: “صحيح أننا شهدنا تقدمًا هائلاً في مكافحة الفقر والظلم، لكنّ الكثيرين – الأشد ضعفًا والمستبعدين والمحرومين والأكثر تعرضًا للعنف والتمييز – لا يزالون يواجهون تفاوتًا رهيبًا في الحصول على الموارد والحقوق”.
من جهته، تحدث رئيس الجامعة اللبنانية الأمريكية الدكتور جوزيف جبرة عن دور الجامعة العريق في تحقيق العدالة الاجتماعية. وقال: “نسعى من خلال برامجنا الاكاديمية ونهجنا المجتمعي الذي يميّزنا، إلى إحقاق المساواة الاجتماعية. ونحن، في ما نفعل، إنما نطور الفكرة الأساس التي انطلقت منه مؤسستنا الاكاديمية، وهي فكرة ثورية لاحت في العام 1835 في ذهن امرأة آمنت بإمكان تحقيق المساواة، فأصرّت يومذاك على تأسيس أول مدرسة لتعليم الاناث في السلطنة العثمانية، مصممةً على أن تكون المرأة عنصرًا بنّاء، تمامًا مثل الرجل، في ارساء بناء المجتمع”. وأضاف: “إنّ مفهوم العدالة المجتمعية وتحقيق المساواة واجب ارتضيناه نحن كمربّين وأكاديميين بالرغم من كل العوائق والمصاعب والعراقيل التي بعيشها بعضُ شرقِنا. ولن يكون وصول إلى الغايةِ الأسمى إلاّ بتضافر كلّ الجهود”.
وسلّط الاجتماع في جلساته الضوء على حالة حقوق الإنسان للمهاجرين واللاجئين في ليبيا؛ والاقصاء في المنطقة العربية من منظور النوع الاجتماعي؛ وفهم التعليم الشامل بناء على حالة خمسة بلدان في المنطقة العربية