إن هذا الاحتفال الأول باليوم الدولي لتعددية الأطراف والدبلوماسية من أجل السلام يبرز جدوى التعاون الدولي في تحقيق الصالح العام. فعلى مدى ما يناهز 75 عاما، مكنت الترتيبات المتعددة الأطراف التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية من إنقاذ الأرواح، وتعزيز التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وحماية حقوق الإنسان، وأخيرا وليس آخرا، ساهمت في درء الانزلاق نحو حرب عالمية ثالثة. وسواء تعلق الأمر بصياغة القانون الدولي أو بتعزيز المساواة بين الجنسين أو بحماية البيئة أو بالحد من انتشار الأسلحة الفتاكة والأمراض القاتلة، أثبتت تعددية الأطراف والدبلوماسية نجاعتهما في خدمة الشعوب في جميع أنحاء العالم.
لكن هذا التعاون لا يمكن اعتباره أمرا مسلما به. فالاحتفال بهذا اليوم الدولي الجديد يأتي في وقت تنوء فيه الجهود المتعددة الأطراف تحت وطأة النزاعات غير المحسومة، والتغير المناخي الجامح، وتفاقم أوجه عدم المساواة وغير ذلك من التهديدات. ولا ريب أن التكنولوجيات الجديدة تتيح فرصا شتى، لكن من شأنها أيضا أن تخل بأسواق العمل وبالتماسك الاجتماعي وبتمتعنا بحقوقنا. وإننا أمام مفارقة: فالمشكلات العالمية تزداد ترابطا لكن استجاباتنا تزداد تجزؤا. ونشهد استفحال أزمة الثقة في الحكومات والمؤسسات السياسية والمنظمات الدولية، وتنامي جاذبية أصوات القوميين والشعبويين الذين يشيطنون الآخرين ويبثون الفرقة. وهذه الاتجاهات بالغة الخطورة لأن طبيعة المشكلات الراهنة تستدعي عملا جماعيا.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة، ينبغي لنا استذكار الحاجة الملحة التي أحس بها مؤسسو الأمم المتحدة وتنشيط أدوات المنظمة. فمبادئ العمل المشترك تدوم، لكن الطرائق العملية يجب أن تتكيف مع عالمنا المتغير بسرعة. وإننا بحاجة إلى التزام أقوى بنظام قائم على القواعد، تكون أمم متحدة فعالة في محوره. وإننا بحاجة إلى تعددية أطراف في إطار شبكة متراصة، مع وجود تعاون وثيق بين المنظمات الدولية والإقليمية، بما في ذلك المصارف الإنمائية. وبما أن الحكومات والمنظمات الدولية لا تستطيع القيام بذلك بمفردها، فإننا بحاجة إلى تعددية أطراف شاملة للجميع، تستند إلى شراكات مع أوساط الأعمال التجارية، والمجتمع المدني، والبرلمانات، والدوائر الأكاديمية، والأوساط الخيرية، والجهات المعنية الأخرى، ولا سيما الشباب.
لكن لا يكفي أن نشيد بفضائل تعددية الأطراف؛ إذ يجب علينا أن نثبت قيمتها المضافة. كما أنه ليس مقبولا أن نصم آذاننا للمشككين؛ إذ يجب علينا أن نثبت أن تعددية الأطراف يمكن أن تستجيب للشواغل العالمية وأن تحقق عولمة عادلة تفيد الجميع.
وإن ميثاق الأمم المتحدة يرسم النهج الذي ينبغي انتهاجه، إذ إنه يشتمل على رؤية تدعو إلى أن تعيش الشعوب والبلدان في ظل علاقات حسن الجوار، وأن تدافع عن القيم العالمية، وأن تسلم بمستقبلنا المشترك. وإن تعزيز تعددية الأطراف يعني تقوية التزامنا بتحقيق أهداف التنمية المستدامة وبناء عالم أكثر أمانا وعدلا للأجيال المقبلة. وهذا الالتزام ضروري – من جانب الأمم المتحدة ومن جانب القيادات والمواطنين والمواطنات في جميع أنحاء العالم، أكثر من أي وقت مضى.