اليوم تيفي
بسم الله الرحمان الرحيم
السيد رئيس مجلس حقوق الإنسان؛
السيدة المفوضة السامية لحقوق الإنسان؛
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة؛
حضرات السيدات والسادة؛
اسمحوا لي بداية باسم وفد المملكة المغربية أن أهنئ السيد “كولي سيك” وبلده الشقيق السنغال على تولي رئاسة مجلس حقوق الإنسان، وإنني على ثقة بأن حكمته وتجربته ستسهم في إنجاح أشغال هذا المجلس الموقر
ويسعدني، بالمناسبة، أن أثمن الجهد الذي بذله سعادة السفير “فويسلاف شووتسه” الرئيس السابق لهذا المجلس، وأن أتقدم بالتهاني الخالصة للسيدة “ميشيل باشيليت”، على تعيينها مفوضة سامية لحقوق الإنسان، كما أود أن أشكر سلفها الأمير زيد رعد الحسين على مجهوداته القيمة
السيد الرئيس؛
إن المملكة المغربية لتشيد بالدور المتزايد لمجلس حقوق الإنسان وبالمجهودات الحثيثة التي يبذلها لتعزيز التعاون الدولي وضمان احترام قيم ومبادئ حقوق الانسان، وبإسهاماته الكبرى لتشجيع الحوارات التفاعلية وتبادل الرؤى والممارسات الفضلى التي لها الأثر الإيجابي في تعزيز حقوق الانسان
ولا شك أن جسامة التحديات التي تواجه حقوق الانسان في الوقت الراهن تتطلب منا جميعا مضاعفة الجهود لتمكين المجلس من أداء مهامه وتحقيق الأهداف النبيلة التي أنشئ من أجلها
السيد الرئيس؛
إذا كان هذا اللقاء رفيع المستوى يشكل مناسبة لنتقاسم مستجدات أوضاع حقوق الانسان في بلداننا والتحديات التي نواجهها، فإن المملكة المغربية تؤكد بأنها ستواصل انفتاحها وتعاونها مع منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والتزامها بتفعيل التوصيات الوجيهة الصادرة عن آلياتها، ولاسيما آلية الاستعراض الدوري الشامل التي سيقدم المغرب في إطارها، طواعية، تقريره نصف المرحلي في شهر شتنبر المقبل، وكذا آليات الإجراءات الخاصة التابعة لمجلس حقوق الانسان التي استقبلت المملكة منها منذ مطلع الألفية الثالثة اثنتي عشر إجراء
كما أن المملكة تحرص على تقديم تقاريرها الأولية والدورية إلى هيئات المعاهدات. وفي هذا الإطار تتعهد بتقديم التقرير الوطني الجامع للتقارير 19 و20 و21 المتعلق بإعمال الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري خلال السنة الجارية، فضلا عن تقارير دورية أخرى
السيد الرئيس؛
لا يفوتني التذكير بالخطوات المهمة التي حققتها المملكة المغربية للارتقاء بحقوق الانسان، لاسيما في مجال تعزيز دور القضاء في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وإصدار القوانين المتعلقة بالمؤسسات الدستورية، وفي المقدمة قانون المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي تعززت اختصاصاته المتعلقة بحماية حقوق الإنسان، ولاسيما احتضانه ثلاث آليات وطنية خاصة بالوقاية من التعذيب وبحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة وبالتظلم بالنسبة للأطفال.
كما تم اعتماد القانون المتعلق بإعادة تنظيم مؤسسة الوسيط، باعتبارها آلية لحماية حقوق المواطنين من التجاوزات الإدارية وتحقيق الحكامة الإدارية وضمان العدل والانصاف. إضافة إلى اعتماد القانون المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز التي تعنى بالنهوض بقضايا المرأة وتعزيز قيم المساواة والمناصفة وعدم التمييز
وتفعيلا لهذه القوانين، تم الشروع منذ نونبر 2018 في تجديد تركيبة عدد من هذه المؤسسات عبر تعيين رؤسائها وأعضائها.
وتواصل المملكة جهودها التشريعية ذات الصلة بحماية حقوق الإنسان من خلال الحرص على ضمان ملاءمتها مع التزاماتها الدولية، حيث تم اعتماد كل من قانون العنف ضد النساء والقانون المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعمال المنزليين، فضلا عن إعداد مشاريع نصوص قانونية تهم مراجعة المنظومة الجنائية والطب الشرعي
وحفظا للكرامة الإنسانية للأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية، تم تعديل قانون المسطرة الجنائية وقانون المالية، بما مكن من تحمل الدولة تكاليف تغذية هؤلاء الأشخاص
السيد الرئيس؛
في إطار الدينامية الجديدة التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريس ومبعوثه الشخصي السيد هورست كوهلر لإعادة إطلاق المسلسل السياسي، صادق مجلس الأمن على القرارين 2414 (27 أبريل 2018) و2440 (31 أكتوبر 2018)، واللذين حددا الغاية من المسار السياسي في “الوصول الى حل سياسي واقعي، قابل للتطبيق، دائم وقائم على التوافق”، وهو ما يتطابق مع الحل السياسي الذي يدعو إليه المغرب، في إطار المبادرة المغربية للحكم الذاتي
لقد نوه مجلس الأمن، في القرار 2440 (31 أكتوبر 2018)، ب «قبول المغرب والجزائر و”البوليساريو” وموريتانيا الدعوة الموجهة عبر المبعوث الشخصي من أجل المشاركة في المائدة المستديرة المنعقدة في دجنبر 2018 بجنيف ” وشجع على “العمل بكيفية بناءة مع المبعوث الشخصي، في إطار روح التوافق، طيلة هذا المسار بهدف انجاحه”؛
وتعتبر المملكة المغربية أن هذه المائدة المستديرة، التي عرفت وللمرة الأولى مشاركة الجزائر، خطوة مهمة في اتجاه إعادة إطلاق هذا المسلسل على أسس سليمة، وأن الإرادة السياسية والانخراط الفعليين لكل الأطراف تبقى أساسية لإنجاح هذا المسلسل. وفي هذا الإطار وافقت الأطراف المعنية على المشاركة في المائدة المستديرة الثانية المنتظر عقدها أواخر شهر مارس المقبل
إن تشبث المغرب بالمسار الأممي وانخراطه في الدينامية الجديدة يؤكد التزامه المسؤول ودعمه للجهود المبذولة من طرف الأمين العام ومبعوثه الشخصي بهدف الوصول الى حل سياسي واقعي، براغماتي ودائم، قوامه التوافق، في ظل الاحترام الكامل لسيادة المملكة ووحدة ترابها.
وإذا كانت ساكنة الصحراء المغربية تتمتع بطفرة إنمائية ومناخ الديموقراطية، فإن مواطنينا المحتجزين في مخيمات تندوف بالجزائر يعانون يوميا من الإذلال والحرمان من الحقوق الأساسية وانتهاك حرياتهم
وتتحمل الجزائر المسؤولية الكاملة عن تردي الأوضاع في هذه المخيمات والمعاناة اليومية لساكنتها خصوصا ما يتعلق بتسجيلهم وفقا لولاية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة
كما ينبغي التذكير، هنا، بالتحويل الممنهج للمساعدات الإنسانية المخصصة لمخيمات تندوف من طرف المسؤولين الجزائريين وانفصالي البوليساريو كما تؤكد على ذلك تقارير المكتب الأوروبي لمكافحة الغش وتقارير المفتشية العامة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين
السيد الرئيس؛
إن المملكة المغربية تبذل مجهودات هامة لمكافحة الإرهاب والعنف وكافة أشكال العنصرية والتمييز والكراهية والتعصب، من خلال بلورة استراتيجية متكاملة ترمي إلى اجتثاث منابع الإرهاب والتطرف وتعزيز ثقافة التسامح والحوار والانفتاح، ونشر قيم الوسطية والاعتدال والتعدد والتنوع والتعايش السلمي
كما تواصل المملكة سياستها الإنسانية الرائدة في مجال الهجرة من خلال تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء بما يمكن من تسوية وضعية المهاجرين وتحسين ظروفهم. فبعد تسوية وضعية إقامة أكثر من خمسين ألف (50000) مهاجر والاعتراف بصفة لاجئ لأكثر من 750 طالب لجوء، وإطلاق مبادرات لكفالة الادماج الاقتصادي والاجتماعي للمهاجرين، تم الشروع في تحيين الإطار القانوني والمؤسساتي المتعلق بالهجرة واللجوء
وفي هذا السياق، احتضنت المملكة في دجنبر 2018 المؤتمر الدولي لتبني الميثاق العالمي من أجل هجرة آمنة، منظمة ومنتظمة، والذي توج باعتماد ميثاق مراكش، كما احتضنت القمة الحادية عشرة للمنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية المنعقدة بمراكش في نفس الشهر
وتعد الأجندة الافريقية حول الهجرة التي تقدم بها جلالة الملك، باعتباره رائد الاتحاد الافريقي في موضوع الهجرة، ثمرة تشاور موسع يهدف الى جعل الهجرة رافعة للتنمية وركيزة للتعاون جنوب-جنوب وعاملا للتضامن. كما أن اقتراح جلالته انشاء مرصد افريقي للهجرة، والذي سيكون مقره بالمغرب، سيمكن من تعزيز حكامة افريقية في مجال الهجرة
واعترافا بهذه المجهودات كلها، أشادت المقررة الخاصة المعنية بالأشكال المعاصرة للعنصرية، خلال زيارتها للمغرب في دجنبر2018، بسياسة المملكة في مجال النهوض بحقوق الانسان للمهاجرين واللاجئين، واعتبرتها تجربة رائدة تستحق التقدير الدولي وممارسة فضلى يحتذى بها
إن حصيلة المكتسبات والمنجزات في مجال البناء الديمقراطي وحقوق الإنسان والتنمية ببلادي لم يمنع من تسجيل بعض التحديات والنواقص التي ينبغي رفعها وتجاوزها. وفي هذا الإطار، قامت بلادي، سنة 2017، باعتماد خطة عمل وطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان تضمنت 435 تدبيرا، والتي حرصت، سنة 2018، على إعداد مخططها الإجرائي الذي يحدد المسؤوليات والجدولة الزمنية للتنفيذ ومؤشرات التتبع والتقييم
السيد الرئيس؛
ظلت قضية القدس وفلسطين، دوما، ضمن اهتمامات جلالة الملك، رئيس لجنة القدس، الذي اعتبر أن “إحلال السلام العادل والشامل والدائم على أساس حل الدولتين خيار استراتيجي، وفقا لقرارات مجلس الأمن، ومبادرة السلام العربية
وقد أكد جلالة الملك أن “قضية القدس مهمة بالنسبة للأمة العربية والإسلامية، لكونها موئل المسجد الأقصى المبارك، وهي كذلك بالنسبة لكل القوى المحبة للسلام لرمزيتها في التسامح والتعايش بين الأديان، وأن أي إجراءات أحادية الجانب تخص القدس تعتبر مرفوضة وعملا غير قانوني وغير شرعي، وانتهاكا جسيما للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. كما أن المساس بوضعها القانوني والتاريخي ينطوي على خطر الزج بالقضية الفلسطينية في متاهات الصراعات الدينية
وختاماً، السيد الرئيس، أؤكد أن المملكة المغربية ستواصل بكل حزم ومسؤولية جهودها الرامية إلى تكريس احترام حقوق الإنسان وتعزير التعاون البناء والمستمر مع مجلسكم الموقر من أجل تمكينه من الاضطلاع بولايته على الوجه الأمثل
والسلام عليكم ورحمة الله