أخيرا يتنازل د. إدريس لكريني عن قبعته الأكاديمية ليتحرر قليلا من صداع العلاقات الدولية وتدبير الأزمات، ليعتمر قبعة الأديب ويسرق لحظات لكتابة مذكرات طفولته التي روادته طويلا، ليصدر كتابه “طفولة بلا مطر ” يتصدره غلاف جميل تتوسطه صورة تركيبية بين لقطة من قصبة بني عمار التي ولد وترعرع فيها ولقطة لأرض مشقوقة تحيل على حالة الجفافّ وشح المطر. فبعيدا عن انشغالاته الأكاديمية، وصخب العلاقات الدولية وضغط الأزمات التي غرق في أتونها، نزل قبل أيام إلى المكتبات هذا الكتاب الذي يغوص في ثنايا ذكريات الطفولة يدفئها ومعاناتها وشغبها، ويستحضر شخوصا وأحداثا تبدأ فصولها من مسقط الرأس قرية بني عمار، وتعرّج على فضاءات أخرى كمدينة مولاي إدريس زرهون وفاس، بأسلوب أدبي شيق وممتع يسترجع ذكرايات طفولة قروية تتلمس طريقها للحياة ببراءة وتلقائية، تقف عند لحظات ظلت راسخة في ذاكرته، ينقل مشاهدها بأسلوب يمزج فيه بين دهشة الطفل وبساطته وبين وسخرية البالغ وفكاهيته، وتوفر للمتلقي مساحة رحبة لمتعة القراءة والاطلاع على جوانب دافئة من حياة الكاتب الذي ألِفه باحثا أكاديميا مدججا بالصرامة العلمية والأسلوب البحثي الجاف. إنه مؤلف يتحرر فيه الكاتب من كل تلك الصرامة الأكاديمية ليطلق العنان لأحاسيسه الإنسانية الدافئة وهي تداعب ذكريات منتقاة بعناية فائقة.
يقع الكتاب في 152 صفحة من الحجم الصغير، تتصدره مقدمة باسم الكاتب ويتوزع على 24 عشرين عنوانا موحيا، هي على التوالي: موعد مع الحياة، في أحضان المدرسة، “سمرا” في موسم الحصاد، عازف في المقبرة، لعنة الجفاف، الرحيل، في الطريق إلى “العين”، سياحة روحية، الجفاف، “صنم” في الفصل، موسم الزيتون، الحنين، مغامرة في الجبل، مهمة تحت الشمس، في رحاب “دار الشباب، قلق المدينة، أنيق في الفصل، السكن الجديد، البطل المزور، في ضيافة “الحرم الجامعي”، هدوء قبل العاصفة، عاشق “الست”، خارج الحدود، أحلام على مشارف المدينة.
الكتاب يعلن ولادة أديب كان قد نشر في ريعان شبابه بعض النصوص القصصية، قبل أن تستفرد به العلاقات الدولية وأزماتها التي لا تنتهي، والاهم (أنه أي الكتاب) يعد وثيقة مهمة بالنسبة لذاكرة وتاريخ قصبة بني عمار التي ستستقبل ابنها في الدورة ال13 لمهرجانها (FestiBaz) لتحتفي بإصداره هذا يوم السبت 04 ماي المقبل.