احتضن رواق منظار بمدينة الدار البيضاء أمس السبت حفل افتتاح المعرض التشكيلي الجديد للفنان عبد الله الرامي، الذي اختار له عنوان “تعايش”، وحضره نخبة من الفنانين والنقاد التشكيليين والمبدعين والاعلاميين وعشاق الفن التشكيلي، الذين استمتعوا بلحظات من استكشاف جديد الفنان عبد الله الرامي المولع بمغامرة البحث والتجديد في مراكمة وتطوير تجربته التشكيلية المتحركة. وقد لقي المعرض الجديد إشادة من طرف الزوار الذين انبهروا بجديد الاعمال الفنية وطريقة اشتغال وبحث الفنان عبد الله الرامي.
وفي قراءة لهذه التحربة الفنية يقول الأديب والناقد التشكيلي المصري سيد جمعة في قراءة بعنوان: “إستاطيقا الجمال وحرفية التعبيرُ عنهُ .. لدي الفنان المغربي عبد الله الرامي”، أن هناك صعوبة ما حين نتحدث عن الفن ، وصعوبة أكبر حين نتحدث عن الفنان وخاصةٍ إذا تميز الفنان في إبداعاته الفنية تميزٌ واضحٌ بين مُجايليه من أبناء جِلدتهِ ليس فقط لِتميز تِقنياته وإختلافها لكبير من حيثُ الرؤية الفكرية والبصرية وتجاوز المألوف منها ولكن أيضا بأدواتٍ وخاماتٍ هي أو بعضٍ منها جديد ومُبتكر في إستخدامها ، وتزداد الصعوبة بعض الشئ حين تتباعد المسافات ونكتفي بالتواصل عبر صفحات التواصل التي لا توفر الحديث المباشر لإلتقاط بعض ما هو كامنٌ وتُفصحهُ الأحاديث المباشرة ، لكن سُبل أو وسائل التواصل توفرُ قدراً لا بأس به في الإقتراب ليس من أعمال المُبدع ولكن من الخلفية اللازمة التي يُبنى عليها الحديثُ عنهُ .
هذه الكلمات تُمهد لدرجة التعبير عن فنان ومبدع مغربي متميز ألا وهو الفنان الراقي والمتميز والمختلف … عبد الله الرامي
جاء في سيرتهِ الذاتية :
( عشقي للفن والألوان والمادة من خامات وأحجار وقشور الاشجار والأغصان كما تشاهدونها حاضرة بقوة في اعمالي لم تكن وليدة الصدفة ولم تأتي من فراغ بل كانت مصاحبة لي منذ الطفولة.
و حتى في الفترة التي كانت تقل فيها الامكانيات ومستلزمات الصباغة لم تكن متوفرة أو بالكاد منعدمة، لم تقف حاجزا أمام ممارستي لهوايتي؛ و جدت البديل وضالتي في بعض المواد الخام الموجودة بكثرة في الطبيعة والمحيط الذي ترعرعت فيه لعبت بها كنت اشكلها و اركبها بكل عفوية رغم انني لم اكن اعلم ابجدياتها ولا أفقه ما اقوم به في تلك المرحلة.
هذه الاشياء راسخة في مخيلتي بالإضافة إلى بعض التراكمات السابقة هي الشحنة والطاقة الإبداعية التي ظهرت ثمارها في أعمالي التشكيلية ، اتناول في تجاربي مواضيع وقضايا من صلب اهتمامات المجتمع المغربي كالموروث الثقافي المغربي هذه المواضيع اشتغل عليها بعدة تقنيات وبمواد موجودة بكثرة في الطبيعة كما سبق ذكره.. ) .
هذا الملمحُ في هذه الكلمات يُمهدُ لِمعرفة بدايات الإختلاف والتَميز الذي صاحب مُبدعنا من نشأتهِ الإولى ؛ وتَفتُح عِينيهِ على إمتلاكهِ لِموهبة التعبير عن ذاتهِ اولاً وإدراكهِ المبكر لموهبةٍ كامنةٍ فيهِ ؛ وهي القدرة عن التعبير عن المشاعر والأفكار فيما يراهُ حولهُ من جمالٍ مُحيطٌ بهِ متمثلاُ في الأشياء العادية والبسيطة والتي من تَعددها وكثرتها وإيلافُها إيلاف المُعتاد والمُتكرر في حياتنا لا يَفطنُ الكثيرُ منا إليهِ .
يقول بودلير :
“ إن العبقرية هي الطفولة مُستمدة بفعل الإرادة “
وهذا ما نلمسهُ في مراحل تطور لموهبة الإدراك الطفولي لجمال الأشياء التي حولنا ومن ثمَ بالنمو العُمري والنُضج المُتدرج للفكر و الوجدان ثم بالتجريب والتجريب وذلك كُلهُ بالإرادة تتحقق عبقرية الإبداع والخلق وكما قاال جومبريتش Gombrich “ إن جمال العمل الفني لا يكمن في جمال موضوعهُ ؛ بل في جمال أسلوب التعبير عن هذا الموضوع . “ و إتفاقاً مع مقولة إن الفن – في معناهُ العام – يشتملُ على كل شئ صنعهُ الإنسان ؛ في مقابل كل شئ صنعتهُ الطبيعة . لذا سنتبين في اعمال مُبدعنا الفنان عبد الله الرامي بعضٌ من الأعمال يسكُنها -صنعة – الإنسان والصَنعة هنا بمعناها الإبداع في التعبير الإنساني مقابل إبداعات الطبيعة فمثلا هيئة المراة في الطبيعة وخواصها البدنية المتميزة يُقابلها هيئة إمرأة تُحاكيها ولكنها إمرأة “ تعبيرية “ إن جاز الوصف والتشبيه ، وهو يتناولها في صور واعمال مُتعددة تُضاهي وجودها في الحياة كَــ – جَذرٌ حقيقيٌ – للوجود الإنساني وهو هنا يقفزُ إلى جملة بيكاسو “ انا ارسمُ الأشياء كما أُفكرُ فيها .. لا كما أراها “ وتلك عبقرية الإبداع ، إن الفن المفهومي او التصوري ؛ يكون فيهِ المفهوم هو الذي يوجد خلف العمل وليس الأسلوب أو التكنيك الذي يتمُ تنفيذ العمل من خلاله .
إن الفنون البصرية – في جوهرِها – فنون رؤية ، لذا يعمدُ فناننا إلي تكثيف عناصر الرؤية في اللوحة مثل ( اللون ، الخط ، الإضاءة ، الظل ، التكوين والمساحات والأحجام والفراغات .. ) الخ ، ويتأتي ذلك من خلال تجارب مُتعددة ما بين تجريب وتطويع إستخدام الخامات والوسائط ؛ وقد حدثنا الفنان عن هذا في سيرته الذاتية التي دعمت مشواره الفني حينما تحدث عن هذه الوسائط والخامات وقد فَطِن فناننا مُبكراً إلى ان هناك انواع عديدة من الفنون البصرية مثل “ الرسم ، والتصوير الملون ، والنحت والعمارة والتصويرالفوتوغرافي “ لذا كانت لهُ أعمالاً في بعضٌ من هذه التصنيفات لكن التميز الذي يُحسبُ له أنه لم يقع في شراك المذاهب والمدارس الفنية المعروفة في تاريخ الفن ، بل كانت له رؤية فكرية وبصرية خاصةٌ بهِ حينما إستطاع تطويع خاماتهِ وأدواتهِ وتقنياتهِ لِيُحقق التميز وكان ذلك بِحرفية وإتقانٍ شديد وغير مسبوقٍ .ولما كان لا يَكتملُ العمل الفني إلا بقارئ العمل الفني أي مُتلقيهِ أو مشاهدهُ ، و للقارئ او المشاهد إجتهاداتهُ وقراءاتهٌ وتفسيراتهُ المتنوعة للعمل ؛ وهذه القراءات المُتنوعة تُخصبُ الكلّ ؛ وتدل على خصوبةِ -العمل الفني ذاتهُ – وتنوع توتراتهِ اكثر مما يدلُ على غموض العمل أو محدودية تواتراتهِ ؛ حيثُ يكتسبُ العمل الفني وجودهُ الخاص المستقل عن مُبدعهِ عندما ينتهي المُبدع منهُ ، وعلي هذا نستطيعُ ببساطة ان نُشيرُ إلى خصوبة اعمال فناننا حيثُ تتعدد الرؤى والقراءات الفنية لِجل أعمالهِ وهذا مردهُ إلي ثقافتهِ وقراءاته الفنية ،و ايضا مقدرته علي التطويع لخاماتهِ وقدرتهِ على بذر وتوزيع دلالاتِ قرائية كمفردات قرائية على سطح اللوحة تدعم ثقافة القارئ أو المشاهد المُتلقي .وهذا ما أشار إليه رينيه ما جريت حين قال :
“ إن كل شئ نراهُ؛ يخفي وراء ه شئ آخر نريدُ أن نراهٌ “ .