تحتل القراءة اليوم مكانة هامشة نظرا لبروز وسائل الإعلام الإلكترونية، مما جعل القارئ لا يعيش مع الكتاب، بل ينخرط في لعبة الافتراضي، دون أن يمتلك مفاتيح القراءة، ولتجاوز هذه المعضلة، حاول العديد من المناهج تفكيك هذا العقل الأداتي كبديل يستمد أصوله من نظريات نقدية ولسانية وتربوية حديثة، يعرف بالقراءة المنهجية الكوكلية (كوكل) (google)، حيث امتدت هذه العملية الى جل الميادين محاوله الحفر في أصولها النظرية ليكون العلم والعمل الذهني المعولم هو الجوهر، ويبقى الإنسان خارج الممارسة القراءة الطبيعية والتأويلية، والتفكيكية، ويعد هذا المقال مغامرة الكشف عن محددات الخطاب المؤسساتي المعولم الموجه للفعل القرائي بالمرحلة الثانوية والجامعية، حيث نرصد تجلياته في الممارسة الصفية الجامعية لمعرفة مدى انسجام الطلاب مع الحاسوب انطلاقا من مرجعية تستحضر آليات النسخ كأدبيات القراءة في أصلها المعطى في أصلها المعطى، لذا يبقى الطالب حبيس المواقع والمواضيع دون أن يبذل جهدا يذكر، لأن رغبته هو تسهيل المأمورية القرائية دون بحث في المصادر ولا في المراجع المدونة، وهذا ما يجعله أسير هذا الدافع الافتراضي، وتأسيسا على ذلك فإن القراءة في الكتب تبقى قليلة وأن المكتبات تحولت إلى عطور ونجور، وأن النوادي تحولت بدورها إلى لعبه الكارطا، هذا هو حالنا وحال الباحث والمبدع، والمدارس حيث يعيش الغربة والعزلة بعيدا عن كل خطاب مسيس ومؤدلج لأن الأنظمة تريد أن يبقى أسير هذا المعطى الخارجي دون استخدام هذا الفكر وهذا الوعيد الباطني لكي يحصل على الذكاء المركب، وتعتبر هذه الوسائل اللاتعليمية إحدى العناصر المكونة للمنهاج المفترض، إن ما يقربنا إلى هذه الأزمة التي يعيشها الوطن العربي سواء في الإعلام، أو السياسية أو الأخلاق، أو الإقتصاد وغيرها من الميادين جعلت القراءة الإبداعية لا تظهر في المنتديات وفي الجامعات، بل تظهر لنا بعض القراءات البسيطة والغير المركبة والتي تجعل الطالب لا يجهد نفسه ولا يتعب فكره، في الحفر والتنقيب في الوثائق التي تشكل خيوط نسيج الدرس الإبداعي، اعتمادا على شبكة الملاحظة والتجربة، والقياس، واستثمارها لاستطلاع تمثلاتهم حول الهوية والثقافة، والعولمة، وذلك بغية مدى انسجام التصور والممارسة، والواقع والحقيقة قصد استنتاج النتائج الموضوعية وتقديم الاقتراحات والواقع العربي المعاصر يتعرض دوما للحملة على مقوماتها الدينية والسلبية تجاه هذه الحملة واستخلاصه بكل فئاتها بقبول مقومات الغرب المعولم، فالسعي وراء الغرب ثقافيا وسياسيا واقتصاديا وعلميا يقربنا من السؤال الذي طرحه محمد عبده “لماذا تخلف العرب وتقدم الغرب؟” سؤال وجودي وابستمولوجي نقدي يريد أن يزيل الحجب عن الحقيقة، فلا نسمح إلا ما يقوله الآخر المهيمن، والمنتصر والمتقدم، فلا السيد مطاع فلا اعتراض على حكمه، وما علينا إلا أن ونطيع ولنأخذ الفكر المركب لإزالة الوهن، والخمول الإبداعي والفكري لأن هذا الجهل المقدس الذي سيج عقولنا وبنى أخيلتنا لا نستطيع أن نعيد التاريخ إلى الوراء، لمعرفة كيف اندثرت الحضارة الصليبية أما المسلمين، لأن العالم يسير بسرعة ونحن العرب لازلنا نعشق العزل الغدري ونخرج من الأندلس وننخرط في صراع الحضارات كما يقول هيد نكتون ص 126.
لقد عملت أمريكا وأروبا على زرع الاختلاف بين الدول العربية، وأيضا التخريب الثقافي من خلال ما يعرف بالاستشراق والتي مهدت منذ الماضي من أجل تأسيس نخبة أنتلجنسيا بعيدة عن هويتها وعروبتها وأمازيغيتها وخلال مؤتمر المبشرين الذي عقد في القدس عام 1935 وذلك من طرف القس (زويمر)، فهذا المؤتمر هو محو الإنسان من هويته ومن ثم لا صلته بأخلاق محمد (ص) إذن فالإطار الاستراتيجي والعملي لهذه الدراسة ليس بالأمر الهين، ولا يمكنه استقصاء كل حسياته التاريخية والفكرية، وهذا يعني أن دراستنا ستتوقف عند كارل بروكلمان أو عند فوكوياما أو عند اومي بايا، بل الانخراط في النسيج المعرفي المتسلسل والمتنوع من الخيوط والمفاتيح.
فالقراءة هي منطق داخلي وارتباط مؤسساتي، فهي ليست ناتج بالضرورة عن ذات فردية، بل هي كما قلت مؤسسة ذهنيه مركبة تربط بين الفكر والواقع كبعد جدلي، قابل للملاحظة ومؤثر في الفاعل وفي الأفراد والجماعة، لأن الغرب يريد أن يصنعنا كما يريد هو، لا كما نريد نحن العرب، نظرا لتقدمه وتطوره، فالسؤال المطروح كيف تقدم الغرب؟ وهل نحن لا نملك ما يملكه الغرب؟ فالجواب واضح ومرئي لأننا أنانيون ومتسلطون، ومخادعون، لا نحب إلا ذواتنا، ولا نعبد إلا الأموال والثروة، فلا نعرب من الإنسانية شيئا، نحن بشر ولكن في صورة الذئاب كما يقول هوبز، وهذا ما رأيناه منذ حملة نابليون على مصر، وقيام دولة محمد على مصر بعلمنة العالم الإسلامي والتخطيطي للتعليم والبعثات التربوية، التعليمية، ووضع مناهج، لذا بدأت فرنسا سنة 1804 بنشر ثقافتها وتم بناء مدرسة في مصر سميت (مدرسة الالسن سنه 1836م) وذلك على نمطها المفرنس، كما هو، لذا أمسى الإنسان العربي مدجنا بتقديس العقل وحرية الفكر، وتقديم التراث العربي الإسلامي كما نرى عند التراثيين، والسلفيين، وبعض المصلحين الذين يحملون الفكر الأشعري دون أي نقاش يذكر، وظهر مفهوم وتقارب الأديان، وحوار الأديان وهذا التقارب هو إفساد أنظمة الحكم في البلدان الإسلامية كما يقول كوبيس التاسع، حتى تنفصل القاعدة عن القمة، وأن يكون التعليم وسيلة لغرس الضعف الهويتي، والمعرفي والاجتماعي وكذا الاقتصادي، وهذا الضعف للقدرات اللغوية عند الطلاب، والتلاميذ وعند بعض الباحثين دليل على هيمنه الإنجليزية، والألمانية، والصينية والفرنسية في مختلف مجالات الحياة، مما أدى إلى تهميش العربية لأنها لغة القرآن، وليست لغة العلم والفلسفة هذا ما تقوله بعض الجماعات المتفرنسة الفرنكوفونية، وكذا الأنكلوسكونية في مجالاتها، فهذا الضعف دليل على ضعف الأمة الإسلامية التي تقبل بدعوات الأمم المتحدة، وبعض المنظمات الحكومية وغير الحكومية، وصندوق النقد الدولي بتخريب البقية الباقية من قيم هذه الأمم الإسلامية، حيث تعمل على صنعها من الداخل، وتغيير سلوكاتها حتى أصبح الجميع يلهث بالالتحاق بالعولمة المؤمركة فتصدر الوثائق والبيانات طالبة أعضائها بالالتزام والتطبيق على أرض الواقع، ولم تتحقق هذه البنود إلا بعد تشربت قيادات الأمم العربية والإسلامية ثقافة الغرب وقيمه ونأخذ مثالا من المادة الخامسة في الفقرة أ حيث تنص على ضرورة إجراء تغييرات في الأنماط الاجتماعية والثقافية في سلوك الرجل والمرأة، تمهيدا للقضاء على التحيزات والعادات الدينية وكل الممارسات الأخرى قائمة على الاعتقاد الذي يكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر فهذه الرؤية تقر بالمساواة بين الرجل والمرأة، وإعطاء الحق أيضا للمرأة في السفر والتعليم كما نصت عليه المواثيق الدولية وخاصة المادة 16 والمادة الخامسة عشر 15 وهذا ما أقره دكار سنة 2000 في الفترة ما بين 26 و 27 أبريل والذي شارك فيه أكثر من 180 بلدا، وقد صدر عن هذا المؤتمر توصيات عدة منها القضاء على التفاوت بين الجنسين في المنظومة التربوية وتغيير في الممارسات والمراتب وفي القيم أيضا, وهذا الالتزام هو زرع التغريب في كل شيء سواء في الملابس, أو المأكل أو في الإدارة، وحتى في المعرفة حيث نجد ظهور أفكار تنويرية تعظم الفلاسفة والمفكرين العربيين، كابورديو وفوكو ونتشه وماركس، وفرويد، وسوليرز وجاك ديريدا، وهوركهايم، وأدورتو، وايكو، وبارت، وبودلير، وسارتر وكامو، وكافكا، وياوس وغيرهم، فهذه الألفة والحنين كما يقول الرواقيون يقربنا إلى نصرة الغرب مرة ثانية وخاصة بعد سقوط جدار برلين سنه 1989 م حيث أصبح القطب الواحد بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتوحيد المانيا، وخروج بريطانيا، وهذا الانتصار هو ما نجده عند صاحب نهاية التاريخ لفوكوياما وأيضا لهنتدجتون (صدام الحضارات) مع إعادة صياغة النظام العالمي الجديد وصنع الشرق الأوسط الجديد أيضا من طرف كونترا ليسا رايس وهذا كله خرافات، وأساطير مؤدلجة بلغة ديبلوماسية سياسية كما يرى أحد علماء بريطانيا في كتابه خرافة المواجهة، حيث يرى هذا الأخير بأنه يعج الغرب بالأساطير والرموز والخرافات وأنه ليس وحدة واحدة، بل أن لكل نظام أركانه ومقوماته وسياسته كما في ايطاليا وألمانيا وبلجيكا وهولندا، فهذا الاختلاف الديموغرافي والاجتماعي هو اختلاف في السياسة وفي المعرفة حيث نجد اليمين المتطرف في فرنسا (ماري لوبان) أو في المانيا (النازيون الجدد) وفي الانجليز وامريكا نجد اليمين أيضا الذي لا يقبل الآخر فهذه السياسة المبطنة بالوحل الإيديولوجي يجعلني أعيد الاعتبار للتاريخ المؤجل كما تقول ديريدا، لأن الماركسية الفاشلة حسب فوكو ياما قد أتيمت دورتها، وكان الانتصار للديمقراطية الليبرالية الغربية، وهذا ما رأيناه في حرب الروس الأوكرانيين، فأمريكا تريد تغيير المناخ السياسي البشري من خلال حضورها في الحرب الباردة، وأنها هي القطب الواحد رقم حضور الهند والصين، لأنها الشكل النهائي للحكومة الإنسانية جمعاء، أو هي بمثابة شرطي العالم، وإذا عدنا إلى التاريخ المعاصر فإننا واجدون أن هناك ثقافات متعددة وأعراق وأجناس مختلفون، ثمنه ضروري ازدياده الاقتصاديات والثقافة الاستهلاكية، والحرية، والمساواة والايديولوجيات، وهذا يناقض ما ذكره صاحب نهاية التاريخ، لأن الروس لا يزالون يمثلون مجتمعا مغايرا للنظام الليبرالي، وهذا الفشل الذي نادى به فوكو ياما لا يتلاءم مع شروط الفكر الإبداعي، لأن الفكر لا يموت، بل ينبعث من الرماد كما تقول الأساطير اليونانية، وهذا البعث جعلت روسيا والصين، وكوريا الشمالية والفيتنام، وكوبا أن تشكل وحدة لمواجهة هذا القطب سواء في مسألة العنف الاثني، أو الارهاب، وحروب التحرر الوطني، وحتى في بعض أنحاء العالم كما في سوريا، وأفغانستان، فالغرب اليوم حسب الدراسات السوسيو اقتصادية لم يكن يعرف أبدا استقلاليته، فهو تابع للمعسكر الأمريكي وهذا ما نراه في حرب أوكرانيا وروسيا، فالسيد الأمريكي هو الذي يقرر، والرجل الفرنسي والانجليزي والبلجيكي ينفذ الأوامر، لأن في النهاية يجد الغرب نفسه مجبرا على استعمال الطريق نفسه ولو عبر طرق فرعية للوصول إلى الغاية التي سطرها السيد، وهذه الرؤية الهيجلية قد تأثر بها المؤرخ المؤدلج وبعض الذين سايروه لكي يؤسسوا للديمقراطية الليبرالية وهل تحقق شرط عدم وجود ادعاء ايديولوجي آخر بانه مغاير لهذا السيد؟ أسئلة كثيرة تقربنا ما رأيناه في كأس العالم في قطر، كيف تعاملت بلجيكا، والبرتغال وكندا وفرنسا مع المغرب واللاعبين الأفارقة، لم نرى الحرية، والعدل والمساواة التي تنادى بها ولا الأنافة الأوربية المتحضرة، بل نسمع الافريقي -المتخلف- عديم الحضارة، وعديم الأخلاق، ولكن من اغتال الحضارة الأفريقية، وأسكن اليهود في فلسطين؟ ومن أحرق بغداد ومن خلق الطالبان هو داعش كحركة متطرفة في العالم العربي؟ ولماذا تبقى الكرة دائما في الرجل الأبيض؟ ولماذا نحارب المجتمعات البروليتاريا، ولماذا وكيف لنا نحن العرب أن نضع قارتنا ابستمولوجيا وإنسانويا مستقلا؟ أسئلة كثيرة تبعدني عن هذه الأفكار كما عند فوكوياما، وكوجيف وغيره من المؤدلجين، لأنهم ينتميان إلى منظومة واحدة ليبرالية مدعمة سياسيا وماديا من طرف المختبرات والشركات، ومن وزارة الدفاع، لأن فكرة التاريخ العربي الغربي قد انتهى منذ استقلال الدول العربية والأسيوية وظهور أيضا الفنوميات التي تريد انتزاع تاريخها من الآخر، وهذا ما أكده ليفي شتراوس في كتابه “الفلسفة والعلوم الإنسانية، وأيضا كولدمان في كتابه الإله المختفي، وفوكو في كتابه “نظام الخطاب” واركيولوجيا المعرفية، وأيضا بورديو، وجاك ديريدا وتشومسكي، وبول كندي، وادوارد سعيد وادريس الكريني، وسالم ياقوت فهذه الفئة هي أضخم من فوكوياما وأكثر حيادية، فلم يروا أن التاريخ كقد مات وانتهى، بل التاريخ وفكر، والفكر يتحول ويتطور ولا يموت، فتشومسكي يرى أن هذا المجتمع المؤمرك غير قادر على قيادة العالم نظرا لإخفاقاته في عالم القيم ولعنصريته تجاه السود، وما رأيناه أيضا في عهد ترامب الذي يؤمن بأفكار تطرفية محوية، وتميزية ضد المهاجرين كما جاء في كتاب ماذا يريد العام سام؟ أما صاحب كتاب (قيام الإمبراطوريات وسقوطها) فهو يؤكد أن كل شيء يمر عبر مراحل معينة بدءا بمرحلة النمو ومرحلة الازدهار وأخيرا مرحلة الانهيار، وهذه الرؤية قد عرفها العرب قبل هؤلاء المؤرخين والفلاسفة (كانط) فقد عرفت عند ابن خلدون وخاصة في كتاب “المقدمة” لذا فالمجتمعات الغربية تعاني من صراعات عرقية وفكرية قد تنتهي إلى صدام سواء بين المثقفين الليبراليين أو المحافظين أو بين اليمين والدولة كما في فرنسا وأمريكا، وهذا ما نراه في مقال لجيمس كورت “تصادم المجتمعات الغربية” نشرها في مجلة الثقافة العالمية ع 77 وهذا المقال هو انتقاد ودعوه للغرب بإعادة قراءة ذاته من الداخل بوعي نقدي ومتصالح مع ذاته، دون خداع، لأن الصدام لا يأتي إلا من الداخل وليس من الخارجي بالمفهوم البنيوي، وهذه رساله موجهة إلى صاحب كتاب صدام الحضارات كهانتجتون الذي يقرأ التاريخ من الخارج، وليس من الداخل لكي نسقط في النهايات وما بعد… كلها مفاهيم ميتافيزيقية لا تتلاءم مع التطور المعرفي النقدي، إن الممارسة هي عملية تنفيذ معطيات نظرية ونقلها إلى أرض الواقع، وهذه الممارسة الجينيالوجيا تستدعي من الفاعل السياسي والاقتصادي، والنقابي والمبدع بتجاوز ثنائية الذات والموضوع وأيضا الجبرية الصارمة من أجل أن نشتهي خصوصيتنا وأن نرغب في أن نكونه نحن العرب عمن أنفسنا، فالاندماج الآفاق وتلاحمها متمثلا في سعي التأويل نحو التوصل إلى فهم الماضي والتراث العربي الإسلامي، ومن ثم فالإحالات الضمنية والخصائص الغير المألوفة يكون الإنسان العربي والأمازيغي والإفريقي مهيأ من قبل ليتلقى هذا السؤال من نحن؟ وكيف نقرأ الغرب في عقر داره؟ وكيف نبدع أركان المعرفة المنتجة؟ وكيف يتم التواصل مع الآخر؟ وكيف نمارس خصوصياتنا على الغرب وكيف تتم العلاقة التواصلية معه؟ وهل هو قادر اليوم بإقرار واقعه سوسيولوجيا واقتصاديا وعالميا؟ إن تأويل هذه الأسئلة يرجع إلى مصدرين متداخلين: المراجعة والمساءلة والتفكيك، تاويل الغرب كفكر وكحضارة مشتتة وغير مثبتة وتأويل الحداثة من خلال رؤية ما بعد الاجتماعية والعلمية، كما قالت مارليسون تورن في كتابها (تقلب العالمي) الذي صدر سنة 1995، حيث أكدت أن الغرب اليوم يعيش التصدع من الداخل، سواء في ماديته وديمقراطيته وفي عقلانيته نظرا لتفاوت ما بين القاعدة والقمة رغم سقوط الشيوعية وبروز سيادة المبادئ الديمقراطية، ولكن حسب المثقفين أدى التشكيك بجدوى كل نماذج السياسية والفكرية الغربية المطروحة.
هكذا تدهورت الديمقراطيات وشاخت وانثنت عن التطور، وتبعتها الليبرالية فقد انكسرت وأظهرت لنا البطالة، والاستغلال والتشيؤ والاستيلاب الوجودي، واندثرت القيم الدنيوية العلمانية خاصه مع تداعيات 11 سبتمبر 2001 حيث أن الكثير من المثقفين المندفعين والمتشدقين بالقيم الجديدة قد تراجعوا عن فكرة الغرب الحر، والعادل والمبدع، كما فعل هيجل واليكساندر كوجيف وفوكو ياما في بعض مقالاته وسارتر في موقفه من القضية الفلسطينية، وأيضا ماكس رودونسون، فالإسلام كما يرى صاحب كتاب “نهاية التاريخ والانسان الاخير، هو العائق الوحيد أمام مسار ففوكوياما لا يعرف أن الإسلام هو الذي بشر بمجتمع مغاير لليبرالية، ونجد الإنسانية وأمدها بالعقل والفكر والذكاء، وهذا دليل في كتب التاريخ والفلسفة والفلك والعلم، ففوكوياما لا يملك رؤية نقدية موضوعية كما قلت، بل هو إنسان يملك واعيا بسيطا، متصالحا مع الواقع، وليس ناقدا له، لأنه يقرب لنا بعض الجماعات الإسلاموجية المتطرفة التي لا تعرف إلا الظاهر، أما الباطن فهو مختفي ومؤجل للراسخين في هذا البحر العلمي، ثم انتقد السلفية الوهاجية معتبرا إياها بأنها اسلامها فاسل لا لشيء لأنها ترفض الانخراط في مركب الحداثة المعولمة لكن في كتابه “الانقراض العظيم”، يناقض نفسه، مذكرا بالإجرام، ونقص في الأخلاق والصلات، وفي الإنجاب، وكثرة البطالة، وعدم ثقة بالحكومات، ص4 ويقول: <<إن النظم السياسية والاقتصادية لا تعمل ولا تنجح إلا في مجتمع متماسك>> وهذا التماسك هو الرأسمال الاجتماعي، ففوكوياما لم يبدع هذا الرأي في مجتمعه الأمريكي الياباني، بل استمده من الفلاسفة كمان جاك روسو، وغوستروف، وهيجل وكانط، ويعترف بأزمة الغرب انطلاقا من أمرين الذين جاء بهما التفكير العلمي (1) حبوب منع الحمل (2) والإجهاض الأمني، إذن فانهيار الأسرة وكثرة الجريمة، وتناقض الثقة هي معايير لازال الغرب لم يجد لها حلا نهائيا رغم التقدم التقني، وأن المجتمعات الليبرالية المعاصرة سائرة إلى مستويات أدنى من الفوضى والانحطاط الخلقي والاجتماعي والسياسي والإنساني، إذن كيف نخرج من ثقافة مؤدلجة؟ وهل الغرب يعيش ثقافة التفاهة؟ أم تفاهة الثقافة العلمية؟ وكيف يتم الحوار بين العولمة والثقافة؟ وكيف مواجهة صراع الثقافات؟ وهل من سبيل لإعادة الإنسان إلى طبيعته الأولى؟ وهل علينا أن ننسى الموجود للبحث عن وجود الإنسان الآلي؟ أسئلة كثيرة تطاردني منها على الخصوص الهوية والثقافة، وحوار الثقافات، وحوار الأديان والثقافة والعولمة، إذن ما موضوع الهوية؟ فالهوية هي الأرض والوطن الذي يضمنا جميعا والهوية هي كما يعرفها العديد من الباحثين (هي مجموعة من الملامح الثقافية الأساسية الثابتة) والبعض الآخر يعرفها كالتالي (هو التناسق بين الهوية والعقل بنبذ التطرف والتعصب العرفي بجميع أشكاله).
وباختلافنا الجغرافي والفكري فنحن يجب علينا أن لا نختلف حول هذا الموضوع بأننا بشر وبهذا التقسيم الجغرافي الموجود على الكرة الأرضية وطننا مهما اختلفت وجهات النظر بيننا واختلفت عاداتنا وتقاليدنا ولغتنا فنحن تجمعنا العديد من الأشياء الهامة كالأرض والدم والإنسانية فيجب علينا احترام رأي الآخر بموضوعية وتحضر ومحاورته بطرق حضارية ترقى إلى الإنسان المثقف والمتعلم المتمدن فالتنوع الثقافي لأي بقعة على الأرض تعطي زخما ثقافيا وإرثا تاريخيا، فقد خلق الكون بفصوله الأربعة، ومناخه المتقلب، ومن هنا أصبح التعريف بالهوية الثقافية بعدم تهميش الطرف الآخر أو الرأي الآخر مهما كانت الأسباب وقد ظهرت في الآونة الأخيرة العديد من الأقلام الجادة المساندة لحركة الإصلاح الثقافي والفكري فرغم وجود عوائق في الحركة الثقافية وهذا ظاهر للعيان ظهرت نخبة من المثقفين تدعو للثقافة من أجل الثقافة بأفكار جادة تسعى إلى نهوض بالمجتمع المدني المتحضر برقي الى مستوى قبول الآخر مهما كان جنسه وأصله ولغته فالهوية التي نحن بحاجة إليها لابد بأن نتعالى عن هذه الأفكار الضيقة ولابد أن يأخذ تصورها صبغة الانفتاح والحركة كي لا تؤدي في واقع الأمر إلى استبعاد الآخر يعد موضوع الحوار بين الثقافات من أبرز الموضوعات التي تعاملت معها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تعامل استراتيجيا، وقد تزايدت هذه العناية الدائمة والمستقبلية بتزايد حملات التهجم على الحضارة العربية الإسلامية، لذلك قامت ببذل الجهود الملائمة لدعم ثقافة الحوار والتفاعل ولمواجهة نزاعات الهيمنة والدعوات إلى الصراع والصدام بين الحضارات ولم تكتف بتنظيم الندوات والمؤتمرات المعنية بهذا المجال، بل ساهمت بمختلف المبادرات الهادفة إلى نشر ثقافة الحوار بين الثقافات بجميع أنحاء العالم وتجدر الإشارة بهذه المناسبة إلا أن مختلف المبادرات والأنشطة التي قامت بها منذ تأسيسها إلى اليوم ليست إلا تجسيما لمرجعيات نظرية وفكرية حددتها في نصوص ووثائق تنطلق من مجموعة من المبادئ والقيم الحضارية أهمها:
1)-أن ثقافتنا العربية الإسلامية هي أساسا ثقافة حوار وتفاعل مع الثقافة الأخرى.
2)-أن هذه الثقافة ترفض جميع أشكال التعصب والانغلاق والتطرف والعنف ونزاعات الهيمنة والانفرادية والإقصاء.
3)-أنها ثقافة تؤمن بالاختلاف والتعدد والتنوع وتعتبر أن هذه الظواهر مرتبطة بالطبيعة الإنسانية نفسها وهي أساس تطورها وثرائها وتجددها المستمر.
- كونية الثقافة وتعدد الثقافات:
إن ازدواجية واحدة تنوع الثقافات في نظر إدغارموران إزدواجية أساسية: تحافظ الثقافة على الهوية الإنسانية، وبشكل أدق على الأشياء الأكثر خصوصية فيها، وتحافظ الثقافات على الهويات الاجتماعية في أدق خصوصيته لأنها تعطي ثقافة الانطباع بأنها تنغلق على ذاتها حفاظا على هويتها الخاصة بينها في الواقع تظل مفتوحة، إذ تدمج داخلها ليس فقط المعارف والتقنيات، ولكن أيضا الأفكار، والتقاليد، والأفراد الآتيين من آفاق أخرى. وكل رابط بين ثقافتين فيه إغناء للثقافات ذاتها، إنه يفضي إلى إنجازات خلاقة، بفضل التهجينات الثقافية كتلك التي أعطت الفلامينكو، وموسيقى أمريكا اللاتينية، والرأي،… وعلى العكس من ذلك، يشكل تدمير ثقافة ما بفعل الهيمنة التقنية الحضارية، خسارة للبشرية جمعاء، والتي تشكل ثقافتها أحد أغلى كنوزها.
- صراع الثقافات وتعايشها:
- صدام الحضارات:
تجتهد الشعوب والأمم حسب صموئيل هنتينجتون للجواب عن السؤال الأساسي بالنسبة لجميع الناس ألا وهو: من نحن؟ وتتم العودة إلى أقدم الأجوبة بحثا الجواب، أنهم يعودون إلى ما يعتبرونه مهما بالنسبة لهم يعثرون أنفسهم في الجماعات البشرية: القبائل، الأعراق، الجماعات الدينية، الأمم بشكل عام، فهم يشغلون السياسة، ليس من أجل تقديم مصالحهم الخاصة بل من أجل تحديد هويتهم، إننا نعرف من نحن عندما نعرف الآخر، وفي الغالب عندما ندرك ضد من نحن لأن الدول الأمم تظل هي العوامل الرئيسية الفاعلة على الساحة الدولية، وكما كان الأمر في الماضي، فإن سلوكها يبقى مقيدا بالبحث عن القوة والثروة، إلا أن هذا البحث يخضع أيضا، وبامتياز للروابط الجماعية والاختلافات الثقافية.
ب)- كيفيه مواجهة صراع الثقافات:
تؤدي كل من نزعة التمركز حول العرق، ونزعة التمركز حول المجتمع، إلى أنواع مختلفة من كره الأجانب ومن النزعات العنصرية، حسب إدغار موران، والتي يمكن أن تصل إلى حدود نزعة صفة الإنسان عن الأجنبي، هكذا فالصراع الحقيقي ضد النزاعات العنصرية من الأفضل أن يتم ضد جذورها متمركزة حول الذات وحول المجتمع، عوض أن يتم ضد أعراضها. إن مسببات ونتائج أسوء هو عدم الفهم للأفكار وأنواع التبرير العقلاني المعتمدة على آليات اعتباطية، وتبرير الذات بشكل جنوني والعجز يعني النقد الذاتي، واعتماد طريقة مرضية في البرهنة والكبرياء والجحود والاحتقار، وخلق وهميين والعمل على محاكمتهم.
فالعولمة: لغة هي تعميم الشيء ليكتسب صفة عالمية واصطلاحا سيادة نموذج سياسي واقتصادي واجتماعي، ثقافي… موحد على الصعيد العالمي.
الثقافة: هي منظومة مركبة ومتجانسة من القيم والتقاليد والعادات والأحلام والآمال والإبداعات… وهي المعبرة عن خصوصية مجموعة بشرية معينة في الزمان والمكان وليست هناك ثقافة واحدة وأنه تسود أنواع وأشكال ثقافية منها ما يميل إلى الانغلاق والانعزال، ومنها ما يسعى إلى الانفتاح والانتشار.
الهوية: هي ما يميز الشخص عن الآخرين أنها العلامات التي تميز الفرض أو الجماعة أو الأمة عن الآخرين.
2)- خصائص كل من العولمة والهوية الثقافية:
تسعى العولمة إلى خلق نظام عالمي نموذجي وموحد لا يقبل التميزات ولا الخصوصيات مذهب واحد ونهائي على الصعيد العالمي بينما تتميز الهوية الثقافية وبخصائص التفرد والتعدد والاختلاف، فهناك ثلاث نماذج من الهويات الثقافية: هوية فردية داخل القبيلة أو الطائفة أو الحزب تدافع عن الاستقلالية والتميز الفردي، ثم هناك هوية جماعية تدافع عن الخصوصيات المكونة للجماعة وإن اختلفت عن باقي الجماعات الأخرى، ثم هناك الهوية الثقافية القومية أو الوطنية تفتخر بعناصرها الحضارية والثقافية المميزة لها عن باقي الأمم والقوميات الأخرى.
3)- العلاقة بين العولمة والهوية الثقافية:
تسعى العولمة نحو الوحدة والنمطية، بينما تدافع الهويات عن التنوع والتعدد، تهدف العولمة إلى القضاء على الحدود والخصوصيات المختلفة بينما تسعى الهويات إلى الاعتراف بعالم الاختلاف وترفض الذوبان.
الهوية هي الانتقال من العام إلى الخاص ومن الشامل إلى المحدود بينما تبحث العولمة عن العام والشامل واللامحدود واللاتجانس.
أنها علاقة زراعية تصادمية بين العولمة والهوية الثقافية، فالعولمة تشبه القناص والهويات تشبه الطريدة، ملاحقة ومطاردة.
4)- وسائل وأدوات وانتشار العولمة في المجال الثقافي:
وسائل الاتصال والإعلام تتجلى في القنوات التلفزيونية والفضائية وشبكة الأنترنيت والجرائد والصحف والمجلات والأقراص المدمجة والهاتف.
- الوسائل الفنية: الموسيقى والمسرح والسينما والرسوم المتحركة.
- الأدوات اللغوية: تتمثل في استعمال اللغة الإنجليزية والفرنسية في التواصل والإعلام والتربية والتعليم والعمل والأماكن العمومية والخاصة، فاللغة حاملة للثقافة والحضارة الانجليزية والفرنسية.
5)- جوانب تأثير العولمة على ثقافات المجتمعات الأخرى:
- التأثير اللغوي:استعمال اللغة الفرنسية والإنجليزية في الإدارة والاقتصاد والاتصال وفي المقررات الدراسية وفي التواصل اليومي بين الفئات الاجتماعية في البيت والشارع.
- التأثير الخلقي: يتجلى في انتشار سلوكات العنف والجنس في وسائل الإعلام والسينما والأنترنيت بشكل إباحي يتناقض مع الحشمة والعفة التي لا تزال تتشبث بها المجتمعات المحافظة.
- التأثير القيمي: تتزايد محاولات نشر قيم واحدة على الصعيد العالمي في الموسيقى والملبس والمشاكل، الهامبورغر والماكدونالدز والعلاقات الأسرية المتجهة نحو طغيان الفردانية وطغيان ثقافة الاستهلاك الرأسمالي الذي يتواصل في تجدده وتنوعه وإغراءاته، فالصفوة المثقفة تعمل جاهدة لتجاوز الاستهلاكي لجعل الإنسان هو الصانع لعامله، وليس المستهلك للآتي، لأن الانخراط والاندماج في المقدس أو المدنس هو تطوير وإحساس كلياني داخلي لهذه الذات المبدعة عليها أن تفجر توازعها ومشاعرها، وأن تعمل على تغيير مصيرها ومصير الآخرين، فهذا الانفجار الذاتي هو عبارة عن عتبة عليا التي من خلالها تعرف الثقافة والسياسة، ومدى تأثيرها في المجتمعات الإنسانية الكليانية.
وخلاصة القول، شكل حقل قراءة تاريخ الغرب المتمركز محور اشتغال مقاربات متعددة نقدية وسوسيولوجية وتربوية، راهنت على فهم آليات الاستيعاب القرائي لهذا المركز وتفسيره وقد كان لذلك كله أثر جوهري في مجال البحث الأركيولوجي التاريخي كما حدده ميشيل فوكو في كتابه حفريات المعرفة، إذ تبلورت اتجاهات وانقسامات تدعو إلى تطوير أساليب القراءة لهذا المركز المهيمن والمنتصر، وفي هذا السياق حاولت أن أعيد القراءة لهذا المؤرخ المؤدلج لكي نعرف الخلفية التي تحركه، وكذا مدى تأثيره في الساحة الكونية إنها قراءة لا تدعي الشمولية، بل تريد تفسير المنهجي لتجاوز نواقص بعض المقاربات السوسيو الثقافية والتاريخية التي تكتفي بكفاية النص دون خلخلة بنيوية لمعرفة الطبقات المتنوعة في بعدها الجمالي والإبستيمي، لتكون الأفكار في صورة أشمل وقابلة للفهم قدر الإمكان، فالمهمش والمقصي.
إنجاز د الغزيوي أبو علي