في إطار سلسلة اللقاءات ” حول فاطمة المرنيسي”، التي برمجها مجلس الجالية المغربية بالخارج ضمن فعاليات الدورة 28 للمعرض الدولي للكتاب 2023، احتضنت قاعة رباط الفتح يوم الجمعة 11 يونيو الجاري، ندوة حول موضوع “أي واقع لحقوق المرأة المغربية؟”، جمعت ثلة من المختصين في هذا المجال، بما في ذلك مليكة بن راضي، وفاطمة آيت بن المدني، وربيعة الناصري، وإيمان الملكي، وسميرة بوحوت الطيبي، ومحمد كيليطو، فيما أسندت مهمة إدارة النقاش إلى الأستاذة أمينة لمريني.
في توطئتها للموضوع، نوهت أمينة لمريني بالاختيار الذي قام به مجلس الجالية، عبر التركيز على موضوع حقوق المرأة المغربية، ضمن برنامج متكامل يستحضر فكر وروح وإسهامات ونضالات المرحومة فاطمة المرنيسي، خاصة في هذا الوقت الذي يشهد فيه المغرب ديناميكية ملحوظة ونقاش واسع حول حقوق المرأة المغربية والدعوة من أجل إصلاح شامل لمدونة الأسرة..
في مداخلتها المعنونة ب”مواطنة مغربية كاملة”، أشارت الأستاذة والباحثة مليكة بن راضي إلى أن هذه المواطنة لا تزال غير مكتملة. وقالت: “الدليل على ذلك هو النقاش الذي بدأ منذ أكثر من عام حول مسألة ملائمة القوانين المغربية مع مقتضيات الدستور (الدستور الذي تم إصداره في عام 2011)، وخاصة المادة 19 التي تكرس للمرة الأولى في تاريخ البلاد مبدأ المساواة بين الجنسين في جميع الحقوق، بما في ذلك الحقوق المدنية، ومبدأ عدم التمييز على أساس الجنس كمعيار أول، وأولوية المعايير الدولية والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب والتي تقر بسمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية.
الأستاذة بنراضي، أوضحت أن هذه النقاشات أثيرت بشكل كبير وركزت على مدونة الأسرة، خاصة بعد خطاب جلالة الملك في 30 يوليو الماضي، الذي أكد فيه جلالته على أن تنفيذ قانون الأسرة اعترته الكثير من المشاكل وسجلت في هذا الصدد الكثير من النواقص والثغرات على مستوى الأجرأة والتطبيق. إضافة إلى تناقضات بين مختلف محكام قضاء الأسرة”، وقالت بهذا الخصوص:” إن حركة النساء الإصلاحية تطالب بتغيير شامل لهذا القانون وإصلاح قانون الجنسية، وذلك من خلال الاستجابة، في الحالة الأولى، لمسألة ملائمة القوانين الوطنية لجميع الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب. ثم، في الحالة الثانية، لاستكمال مراجعته.
فالحركة النسائية تقول المتحدثة، رصدت العديد من الأحكام التمييزية التي تتعارض مع الدستور ومع التزامات المغرب الدولية”. وقدمت في المقابل، المقاربة التي يجب تبنيها، وهي مقاربة قانونية وحقوقية بحتة، والتي ستتبنى مقاربة النوع الاجتماعي لتتماشى مع المادة 19 والتزامات المغرب الدولية، من أجل استكمال المواطنة الكاملة للمرأة.
بالنسبة للأستاذة-الباحثة، ربيعة الناصري، التي قدمت عرضا مقتضبا بعنوان: “من أجل نظام ميراث قائم على المساواة”، فإن هذا الالتماس من أجل المساواة والعدالة تبرره ثلاث ضروريات: الحق الأخلاقي لحقوق الإنسان، أي: تحريم التمييز، والثاني ديني، مع العلم أن الإسلام يدعو إلى العدل. لذلك تقول الناصري، عندما تكون مؤمنًا، لا يمكنك أن تقبل بالظلم. ومع ذلك، فإن نظام الميراث اليوم ظالم وغير عادل تجاه العديد من الفئات النسائية.
أما الضرورة الثالثة، والتي تعتبرها ذ. الناصري الأهم، هي تلك المتعلقة بالواقع الاجتماعي في المغرب الذي تغير بشكل كبير، مما يثير التساؤل حول نموذجين رئيسيين يقوم عليهما قانون الأسرة، ولا سيما هل حقيقة أن الرجل هو المعيل الأساسي للأسرة؟ والثاني يتعلق بالأسرة الأبوية الممتدة. الأمر الذي لا يتوافق مع الواقع الاجتماعي اليوم، مستشهدة بعدة أمثلة، منها في المقام الأول تراجع عدد أفراد الأسرة وشيخوخة الساكنة، وتزايد عدد الأسر التي تعليها نساء مما يقوض بنية نظام الميراث الحالي.
مداخلة السيد محمد كليطو، عضو ” ائتلاف امن اجل تشريعات قائمة على المساواة”، انصبت على تحليل النوع الاجتماعي للنصوص القانونية والمؤسساتية الرئيسية في المغرب، من خلال تقرير يهدف إلى تقديم مرافعة من أجل قوانين وممارسات مبنية على المساواة، وتزويد الجمعيات النسائية والمدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني بالأدوات الكفيلة لاستلهام ومواكبة المبادرات التشريعية القائمة على المساواة.
ويستند هذا التحليل الخاص بالنوع الاجتماعي، على عمل ودراسات وتقارير ومذكرات المنظمات غير الحكومية التي تدافع عن حقوق المرأة ويقترح الإصلاحات اللازمة لملائمة الترسانة القانونية الوطنية مع الاتفاقيات الدولية لحقوق المرأة وحقوق الطفل.
من جانبها تحدثت القاضية إيمان المالكي عن بعض جوانب الإدارة القضائية والعمل مع المحاكم التي تخص المرأة المقيمة في الخارج. وقالت: “أود أن أتناول هذا الموضوع في نقطتين أساسيتين: الأولى تتعلق بجميع الأنشطة التي تم الشروع فيها داخل المجلس الأعلى للقضاء، والجانب الآخر يتعلق بالعمل القضائي لجميع محاكم المملكة (المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف).
على مستوى مجلس القضاء الأعلى، في عام 2022، كانت الدورية المشتركة بين ممثل وزير العدل و PNP،
ذات أهمية كبيرة للتعامل مع القضايا القانونية التي تهم المهاجرين بشكل عام.
كما فكرنا في خلق خلايا جهوية وخلية مركزية لمعالجة هذه القضايا ومتابعتها. ذ. ايمان أشارت بهذا الخصوص إلى أنه خلال سنة 2022، تلقينا عددا كبيرا من الشكايات من المهاجرين (19.446 شكاية وصلت للمحاكم الابتدائية، و7400 شكاية تلقتها محاكم الاستئناف) تتعلق بشكل عام بحقوق الأسرة، و حقوق الملكية العقارية، والقانون الجنائي. وتمثل نسبة النساء المشتكيات في إطار هذه الإحصائيات 19٪ و 81٪ منها تتعلق بالمغاربة المقيمين في الخارج. عموما يمكن التأكيد على أننا نبذل قصارى جهدنا لتسهيل عملية تنقلهم وتجنيبهم مشاكل السفر والذهاب والإياب المبالغ فيه.
فاطمة آيت بالمدني، عالمة الاجتماع، ركزت في مداخلتها بشكل خاص على موضوع عنونته ب”المهاجرين: التمييز والاعتراف”، حيث تناولت واقع المهاجرات المغربيات المسنات، وأشارت إلى أنه هناك رغبة ملحة لدى هؤلاء النساء اللاتي تجاوزن سن السبعين إلى الاعتراف بحقوقهن، ومعالجة قضاياهن خاصة ما يتعلق بالترحيل إلى الوطن في حالة الوفاة والتعامل مع المشاكل التي تظهر عند التقاعد.
“هناك دين الذاكرة الهائلة بالنسبة لهؤلاء الأشخاص: إنهم يتوقعون الانصاف من المغرب وأيضًا من فرنسا حيث عاشوا وعملوا بجد”.
هناك أيضًا قضية السكن حيث يتعرض العديد منهن للتمييز عند التقاعد وعند عودتهن إلى المغرب، حيث يتعرضن للاستغلال من قبل أفراد الأسرة. ومن هنا أتمنى أن تأخد المحاكم المغربية بعين الاعتبار هذه الاعتبارات الاجتماعية عند النطق بالحكم. فبالنسبة للأستاذة فاطمة، فإن الاشتغال على مسألة الذاكرة والاعتراف أمر حتمي.
سميرة بوحوط طيبي، عمدة بلدة “كليشي سوس-بوا” الفرنسية، قدمت تجربتها من خلال نماذج لما يمكن أن تعيشه المهاجرات في فرنسا مع القوانين الفرنسية والقوانين المغربية. وقالت: “عندما تظهر المشاكل يبدأن في الاهتمام بالحقوق في المغرب. وشخصيا أستقبل الكثير من النساء اللواتي لديهن مشاكل تهم بالخصوص اقتسام الممتلكات مع الأزواج، وحضانة الأطفال والولاية وغيرها من القضايا التي لا تعد ولا تحصى.
وخلصت بالقول:” من الواضح أن المغرب قام بجهود كبيرة لحل بعض قضايا المرأة، ولكن لا يزال هناك الكثير يتعين القيام به.