كلمة تقديمية
الحضورالكريم،ببالغالسرور، ونيابةعنمنظمةالعفوالدولية – فرعالمغرب، أتوجهلكمجميعابالشكرللاستجابة لدعوتنا لحضوركمالندوةالصحفيةالتينقدمفيهاحالة حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا كما وردت في تقريرمنظمةالعفوالدوليةلسنة 2022/2023.
كما تعلمون أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرها السنوي 2022/2023 الذي يتضمن تقييما لوضع حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم، ويسرد التقرير تفاصيل الأحداث على مدى عام بدا فيه العالم يسير خارج الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. لقد اخترنا أن نقدم هذا التقرير في 3 ماي الذي يصادف اليوم العالمي للصحافة، لنعبر عن دعمنا لحرية الصحافة والتعبير التي تتعرض إلى حملة تضييق ممنهجة في منطقتنا، فالسمة الرئيسية لانتهاكات حقوق الإنسان التي طغت في كل أقطار المنطقة هي تكميم أفواه الصحفيين، والزج بالكثير منهم في السجون، فخلال السنة المنصرمة 2022 كانت وسائل الإعلام تخضع لسيطرة شديدة، وكان على الصحفيين والمدونين وأصحاب الرأي في المجتمع المدني والمعارضة، أن يعملوا في إطار قواعد مكتوبة وقواعد غير مكتوبة بمثابة خطوط حمراء يقود تجاوزها إلى الزنازن،فيضطر الصحفيون مكرهين على الإبتعاد عنها باعتبارها موضوعات محظورة، مثل انتقاد الحاكمين ومحيطهم وأسرهم، أو الفساد الحكومي أو غير ذلك من صور الانحراف بالسلطة عند من يمسكون بزمامها.
لقد كان قمع حرية الصحافة هي السمة المشتركة لانتهاكات حقوق الإنسان بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ كان أي خرق لقواعد الصمت المعلنة ينتج عنه التعرض للمضايقات أو الاعتقال أو المحاكمة بتهم التشهير الجنائي، أو بتهم ملفقة يطالها القانون الجنائي. وفي أرجاء شتى من المنطقة، حجبت السلطات الحكومية بعض مواقع الإنترنيت التي تتضمن تعليقات أو معلومات تعتبرها مناهضة لمصالحها، حدث هذا في إيران وسوريا ومصر والمغرب والجزائر تونس ودول الخليج.
لقد ازدادت حدة قمع حرية الصحافة والرأي في المنطقة بعد أن أعطت الدول الكبرى القدوة السيئة، وهي تدفع بإذكاء الفتن وتجديد الصراعات القديمة وانتهاك القانون الدولي الإنساني في كل تدخلاتها عبر العالم لتأمين مصالحها.
الحضور الكريم؛
لقد شهد عام 2022 سيادة رؤية ازدواجية لحقوق الإنسان،فنجد أن الدول الكبرى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، تغرق أوكرانيا بالأسلحة بدعوى حماية حقوق الإنسان من ويلات الحرب، وتوفر الدعم للمواطنين الأوكرانيين،لكن بالمقابل تلتزم الصمت إزاء ما ترتكبه إسرائيل يوميا من تقتيل للفلسطينيين وهدم بيوتهم وحصارهم وحرمانهم من معيشهم اليومي، وترك الكثير من خيرة الشباب الفلسطيني المناضل يلفظ أنفاسه في المعتقل.
هذه المقاربة، الناتجة على ميزان مختل،أكدت لباقي العالم أن دعم الغرب لحقوق الإنسان تتسم بالانتقائية والازدواجية وتغليب المصالح الاقتصادية والذاتية.
وعلى مستوى آخر، فإن هذه المقاربة الانتقائية جعلت الفئات الهشة أكثر عرضة للخنق والتهميش وفي المقدمة منها النساء اللواتييتحملن القسط الأكبر من عواقب تقاعس دول المنطقة عن حماية واحترام الحقوق. وبالرغم من إحراز بعض الدول تقدمًا متواضعًا في معالجة انعدام المساواة بين فئات النوع الاجتماعي، كمصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وإعلان الأردن المساواة بين الرجل والمرأة أمام القانون، واتخاذ الكويت تدابير تهدف إلى زيادة نسبة تمثيل المرأة في الوظائف العامة والمناصب القيادية،وإنشاء عمان خطًا هاتفيًا ساخنًا مكرسًا لقضايا العنف الأسري، ظلت النساء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعانين من التمييز المؤسسي، ومن استشراء العنف القائم على النوع الاجتماعي.
الحضور الكريم
المغرب يوجد في قلب هاته العواصف التي تضرب القانون الدولي لحقوق الإنسان في العالم والمنطقة، حيث واصلت السلطات تضييق الخناق على الأصوات المعارضة، وتفريق الاحتجاجات السلمية بالقوة المفرطة، وقامت بتقييد أنشطة العديد من المنظمات المدنية التي تعتبرها جزء من المعارضة غير المرغوب فيها. ومن جهة أخرى، ظلالإجهاض جريمة، فقد ماتت فتاة واحدة على الأقل بسبب الإجهاض السري الغير الآمن جراء تعرضها للاغتصاب،واستخدم حرس الحدود القوة غير المتناسبة ضد الأشخاص الذين حاولوا عبور الحدود بين المغرب وإسبانيا عبر معبر مليلية، مما أدى إلى مقتل 37 شخصًا على الأقل.
لا نجادل أن هناك بعض المبادرات الإصلاحية، ولكن هناك إخفاق كبير على مستوى إحقاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتبقىالنقطة السوداء هي التضييق على حرية الرأي والتعبير والتضييق على الصحفيين والنشطاء والمدونين الشباب،فخلال سنة 2022 تم سجن ما لا يقل عن سبعة صحفيينونشطاء لانتقادهم الحكومة، وكذلك الأشخاص الذين تحدثوا عبر الإنترنت عن الدين أو عبـّروا عن تضامنهم مع النشطاء والمعارضين.
وبصفة عامة، نلاحظ أن فضاء الحريات يتقلص بتواتر سريع في وجه الصحافة وهذا لا يضر بحق المواطن في الولوج إلى المعلومات وتحفيزه للمشاركة في الشأن العام، بل يهدم الدعامة الأساسية للديمقراطية.
فالمجتمعات الديمقراطية تقوم بصحافة حرة مستقلة، وتحمي التعدد والاختلاف وتؤمن باحترام حرية التعبير مهما بلغ حدته وجرأته.
وبهذه المناسبة، ونحن نعقد ندوة حالة حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في اليوم العالمي للصحافة، نوجه نداء للحكومة المغربيةعلى أن الطريق الذي يضمن الاستقرار المستدام للمغرب معبره احترام حقوق الإنسان في أبعادها الشمولية والكونية، وبناء دعائم حرية الرأي والصحافة والتعبير.
ونأمل في هذا السياق، أن تقرأ الحكومة هذا الوضع بتمعن وأن تقتنص اللحظات التي يتيحها الوضع العالمي الراهن، وتعتبرها كلحظات محفزةللتغيير، فبدل أن تخوض الحكومة معركة لقمع الأصوات المعارضة أو لإسكات الشباب الذين يلجؤون إلى الإنترنت للتعبير عن آرائهم، يجب على الحكومة أن تخوض معركة أخرى، معركة ضد الفقروضد انعدام العدالة الاجتماعية وضد الإفلات من العقاب، معركة من أجل المساواة،ومن أجل التغيير الذي يستفيد منه كل المغاربة دون تمييز، تغيير فعلي يمس حياتهم في السكن وفي التعليم والعمل والصحة وفي كل مناحي الحياة الاجتماعية.
ونعتقد في منظمة العفو الدولية –المغرب، أن قمع الحريات العامة لا يعالج اختلالات الواقع، بل يزيد من درجة الاحتقان والتوتر، وإشعال الغضب الشعبي.
إن محيطنا ملتهب، ونحن لسنا بمنأى عن الأحداث الكارثية التي تهز أركان دُوله، وعلى الحكومة أن تنتقل من التدبير الأمني للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية إلى التدبير الاستراتيجي ضمن رؤية بعيدة المدى تنطلق من تحصين المكتسبات الحقوقية، والعمل الاستباقي لرد المخاطر المحدقة بنا، بالإصلاحات القانونية والمؤسساتية اللازمة، وتوسيع فضاء الحريات، والإفراج عن معتقلي الرأي وإقامة شراكة حقيقية مع المجتمع المدني تساعد على التغيير وليس على أساليب التدبير العابر، الذي قد يسكًن أعراض المشاكل المزمنة، لكن لا يستأصل جذورها.