في إطار سلسة الاحتفاء بأعلام الشعر التي تنظمها المديرية الجهوية للثقافة بجهة الشرق، احتضنت قاعة العروض بالمعهد الجهوي للموسيقى والفن الكوريغرافي بوجدة مساء السبت 24 دجنبر 2024، لقاء أدبيا وشعريا مفتوحا مع الشاعر والروائي العربي محمد الأشعري، بمشاركة كل من الناقد الدكتور مصطفى سلوي، وبمرافقة موسيقية للعازف على آلة العود عبد الكريم كاكو، وعدد من الأساتذة الباحثين والطلبة والمهتمين بقضايا النقد والإبداع.
في البداية، تناول الكلمة المدير الجهوي للثقافة، الذي ذكر بأن مدينة وجدة استضافت في أواخر يناير 1976 الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي. وقد قدم في يوم مطير أمسية شعرية ضاقت بها جنبات سينما ڤوكس ذات الصيت الذائع، فتلا قصيدة في رثاء المناضل عمر بنجلون، هي الزيارة التي أوحت بتخليدها عبر احتفاء ينزل الشعر منزلته في فضاء مخصص للموسيقى.
بعد ذلك تناول الكلمة الناقد الدكتور مصطفى سلوي، فبدأ بطرح السؤال شعرا انطلاقا من بيت للشاعر عبد المنعم لوكيلي يقول فيه:
أعندك عش لاحتضان قصيدة
أما زال في الإنسان للشعر منزل؟
فهذا السؤال بات يحير الشعراء جميعا في عصر حاصر الشعر، ثم عرج على مسار الشاعر محمد الاشعري، فسلط الضوء على رجل خبر السياسة والنضال والشعر والصحافة، وعرف فيما عرف به عموده “عين العقل”، وهي سلسلة المقالات التي دأب على كتابته في الصفحة الأولى لجريدة “الاتحاد الاشتراكي” خلال تسعينيات القرن الماضي، فالضيف الاستثنائي أبدع، انطلاقاً من التراكم الذي حققته أعمال “جنوب الروح” و”القوس والفراشة” و”علبة الأسماء”، و”من خشب وطين” التي حلت ضيفا هي الأخرى على طاولة غير بعيد عن الشاعر والروائي فوقعها للقراء الذين حضروا النشاط.
ثم أضاف الدكتور سلوي أن الشاعر محمد الأشعري ينشأ عوالم تخييلية بلغة متحرّرة من القيود المنمطة، تؤثثها قوة مجازية توسّع المعنى، فتسافر بالمتلقي نحو دلالات الجلال الفني؛ فالمقطوعة الشعرية، تنزاح انزياحا يحدث في النفس نوعا من الغرابة، ويخلف أثرا جماليا فيها.. مما يجعل الكتابة الشعرية لديه تبدو تصورا مستوحى من روافد عديدة، واستشهد الدكتور سلوي بمقاطع متفرقة تبين هذه الروافد. بعد ذلك انبرى الأستاذ محمد الاشعري فقرأ نصوصا شعرية من قصيدة “أوراق سقطت حية” التي صدرت في ديوان “أحوال بيضاء” الصادر حديثا في بيروت. وللإشارة، فقد طلب محمد الأشعري أن يلقي شعره وقوفا احتراما للحاضرين واحتراما للشعر، فاستجاب المنظمون لطلبه وأحضروا له منبرا، فانطلقت الأشعار في رحاب محراب الموسيقى وعم صمت لم تقطعه إلا تصفيقات تلت بعد همهمات الاستحسان.
بعد ذلك، تفاعل الجمهور الوجدي مع الشاعر، وكانت هناك عدة مداخلات أشادت به وبتجربته، كما طُرحت عليه أسئلة حول راهن ومستقبل الوضع الثقافي بالمغرب، وفي معرض جوابه انتقد الحصار المضروب على اللغة العربية في المغرب، مضيفا أنه يراهن على هذا الأدب للحفاظ على العربية، ودعا في الوقت ذاته إلى تضمين المناهج الدراسية قصائد لشعراء مغاربة وعرب. كما استحضر التنوع الهوياتي المغربي، فهو أمازيغي يكتب شعره بالعربية الفصحى، ولا يجد في ذلك إلا ثراء ورفعة للثقافة المغربية.
للإشارة، فاللقاء مسجل بالصوت والصورة ومنشور على الصفحة الرسمية للمديرية الجهوية للثقافة بجهة الشرق على الفايسبوك.
بحضور محمد الأشعري إلى وجدة، تكون سلسلة الاحتفاء بأعلام الشعر التي تنظمها مصالح وزارة الثقافة بوجدة قد أطلقت العنان للأشعار كي تحلق في فضاء حدودي يقاوم ضغط الجغرافيا وعزوف العصر عن الكلمة، وتؤسس لمرحلة جديدة في المشهد الثقافي بجهة الشرق.