اليوم Tv
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
بداية أرحب بكم جميعا في أشغال هذه الندوة العلمية التي نفتتح بها الدخول السياسي الجديد، علما أننا في حزب الحركة الشعبية لم نعرف عطلة ولا استراحة محارب، لأننا ندرك تمام الإدراك أن زمن الأوطان لا يحتمل هدر الثواني والدقائق والساعات، فكيف بالأيام والشهور والأعوام.
كما أتقدم بالشكر الجزيل للأساتذة الأجلاء الذي تكرموا بقبول الدعوة والمشاركة في استمرارية وإغناء النقاش حول موضوع لم يفقد راهنيته على الرغم من مرور أكثر من 14 سنة على المصادقة على الوثيقة الدستورية، التي أولت مسألة الهوية المغربية المتعددة الروافد مكانة هامة…لكن كان لمسار التنزيل كلام آخر ورأي آخر.
لا تفوتني الفرصة أيضا دون توجيه عبارات الشكر والثناء إلى أكاديمية لحسن اليوسي، وبالخصوص إلى الأخ عبد النبي العيدودي، الذي لا يكل ولا يمل في البحث عن قضايا فكرية ومجتمعية تتيح لنا الاجتماع واللمة مع مختلف الأطياف، في تجسيد لانفتاح حزبنا على محيطه وحرصه على توحيد الرؤى بما يضمن تعبئة الجميع من أجل خدمة المصلحة العليا للوطن والارتقاء بمستوى وعي المواطنات والمواطنين وتلبية الحاجة القصوى إلى مجتمع المعرفة.
السيدات والسادة الكرام؛
لا أخفيكم سرا أنه، وقبل برمجة هذا النشاط الفكري، راودنا بعض التردد، تحسبا لبعض ردود الفعل التي تريد فرض نوع من الوصاية على الحرية والفكر من خلال التأويل الخاطئ وغير البريء لتيمات وموضوعات، بل وحتى حقائق وبديهيات، يسعون إلى حرماننا من التطرق إليها ومحاولتهم احتكار استعمالها حسب المزاج ووفق المزاد في سوق المواقف.
في نهاية المطاف، عقدنا العزم وتوكلنا على الله، وقررنا تبني موضوع الندوة، الذي يرمي في الجوهر إلى ترسيخ الوحدة الوطنية ونبذ التفرقة، وإلى اعتبار تعدد الروافد عامل غنى وقوة وصلابة الجسد الواحد.
هذه هي مواقفنا ومنطلقاتنا في الحركة الشعبية، كحزب شفاف وواضح، لا يعرف ولا يتقن اللعب على الحبلين أو عدة حبال كالبهلوان.
في ندوة سابقة، عاب علينا بعض دهاقنة التضليل والباطل، من باب التجني والافتراء، استضافتنا لمواطن مغربي معتنق للديانة اليهودية وأقصد السيد جاكي كادوش، وحملوا صلاته ودعاءه من أجل أمير المؤمنين نصره الله ومن أجل عزة المغرب أكثر مما يحتمل. كما تكرر نفس التجني بمناسبة تنظيم حفل ديني مؤخرا بمدينة الصويرة، في محاولة لتأليب الرأي العام المغربي واستغلال تعاطف المغاربة ملكا وشعبا مع القضية العادلة للشعب الفلسطيني، لنشر الأكاذيب والأراجيف والمغالطات.
إننا في الحركة الشعبية، كما هو الحال بالنسبة لكل المغاربة النبهاء، نميز بين العقيدة اليهودية وبين ممارسات حكومة إسرائيل. ولست هنا في حاجة إلى التذكير بمواقف عدد كبير من المغاربة من الديانة اليهودية المعادين لسياسة إسرائيل والمساندين لحق الشعب الفلسطيني في العيش بسلام على أرضه وفي دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية.
الحضور الكريم؛
كان هذا التوضيح ضروريا درءا لكل لبس مغرض أو تأويل خاطئ لموضوع الندوة.
وعودة إلى صلب موضوع هذه الندوة، وجب التذكير بأن الهوية المغربية هوية متعددة الأبعاد، ومتميزة بتنوعها الثقافي والحضاري.
وقد نصت الوثيقة الدستورية لسنة 2011 على أن الهوية الوطنية موحدة وغنية بتعدد روافدها، في فسيفساء تشكل الشخصية المغربية.
فالرافد الإفريقي مرآة عاكسة للعلاقات التاريخية والإنسانية بين المغرب وعمقه الإفريقي جنوب الصحراء، من خلال التبادل الثقافي والديني والتجاري والإنساني، الذي يتمظهر في عدد من التأثيرات، موسيقية كانت كلون “كناوة”، أو في التقاليد واللباس وبعض العادات الاجتماعية، علاوة على العلاقات الروحية والتاريخية مثل الطرق الصوفية كالطريقة التيجانية، دون إغفال المبادلات التجارية والثقافية وعلاقات الزواج والمصاهرة.
وجدير بالذكر أن هذا المعطى الذي تضمنه دستور المملكة، لم يكن مجرد شعار أو حبرا على ورق، بل جسدته السياسة الخارجية للمملكة التي يسهر عليها بشكل مباشر جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، الذي رسخ البعد الأفريقي للمغرب، من خلال زياراته المتعددة إلى عدد من بلدان القارة السمراء، عاملا على تعزيز التعاون الأفريقي جنوب- جنوب كمفتاح للتنمية الحقيقية لشعوب المنطقة، علاوة على العديد من المبادرات التي تهدف إلى استثمار الواجهة الأطلسية المغربية من أجل مساعدة البلدان الشقيقة على الاستفادة من مؤهلات القارة من منطلق رابح – رابح.
أما بالنسبة للرافد الحساني الرافد الحساني الذي يعتبر مكونا خاصا بالأقاليم الصحراوية المغربية، فهو علاوة على طابعه اللغوي المستمد من لغة الضاد، يتميز بتعبيرات فنية من قبيل الشعر الحساني والأغاني، بشكل يعكس التنوع داخل الوحدة المغربية ويبرز الارتباط التاريخي والثقافي العميق بين الدولة المغربية والساكنة المحلية.
أما بخصوص الرافد العبري فهو تعبير عن التواجد اليهودي في الثقافة المغربية، لا سيما وأنه يعود إلى أكثر من 20 قرنا وما يزيد، وانخرط هذا المكون في مسار التلاقح الحضاري والثقافي واللغوي بين كل مكونات الهوية المغربية، ومن تمظهرات ذلك: الموسيقى الأندلسية والغرناطية والملحون، وفنون الطبخ والخياطة والصناعة التقليدية والعمارة خاصة في أحياء الملاح. وتلك من سمات المغرب كأرض للتعايش بين الأديان والحضارات.
الرافدين العبري هو منتوج مغربي أصيل، لأن الأصل هم الأمازيغ اليهود والمغاربة اليهود.فهويتهم الأصلية مغربية قبل الهوية المكتسبة بطابعها الديني وتراتب الاديان. فهم مغاربة قبل دخول باقي الأديان من قبيل المسيحية والإسلام.
السيدات والسادة الأفاضل؛
للأسف الشديد، فإن هذا الغني الحضاري والثقافي المتنوع، وعلى الرغم من الإرادة الملكية السامية ومقتضيات الدستور، لم ينل نصيبه من العناية والتنزيل على أرض الواقع، بسبب غياب سياسات عمومية تمتلك الشجاعة والقدرة على ترجمة هذا التعدد الهوياتي إلى برامج حقيقية في مجالات التعليم، والثقافة، والإعلام، والتنمية .
كانت هذه مجرد شذرات وأفكار من أجل فتح الشهية لنقاش نتمناه غنيا وراسما لآفاق مستقبلية أرحب.
شكرا على حسن الإصغاء، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.