الراشيدي عبدالمجيد
في سماء الفن التشكيلي المغربي، يسطع نجم فاطمة لبراهيمي كفنانة استثنائية تجمع بين الموهبة الفطرية، والاحترافية المتقنة، والروح الأصيلة الممزوجة بلمسة معاصرة، فاطمة ليست مجرد فنانة ترسم الألوان على الجدران، بل هي صانعة عوالم بصرية، ورسامة أحاسيس، وراوية قصص تتحدث بلغة الريشة واللون.
تنتمي فاطمة إلى مدرسة الإبداع الحر، حيث لا تقيدها قواعد تقليدية ولا تقف عند نمط فني واحد، بل تنفتح على التعبير التشكيلي بكل أشكاله: من الجداريات الضخمة التي تنبض بالحياة في فضاءات المدن، إلى لوحات المانغا التي تعبر عن جيل جديد من الفنانين المغاربة، مرورا بالأعمال التجريدية التي تنبع من أعماق الذات.
ما يميز فاطمة لبراهيمي أنها رغم حداثة أسلوبها وجرأته، تظل وفية لروح الثقافة المغربية الأصيلة، من خلال أعمالها، نلمس عبق الزليج، وحكمة الحكاية الشعبية، وألوان الأسواق القديمة، ورموز الهوية الأمازيغية والعربية، فهي تُحوّل هذه الذاكرة الجماعية إلى مشاهد بصرية نابضة بالحياة، تبث فيها روحًا جديدة ومعاصرة.
فاطمة لا تكتفي بالإبداع لنفسها، بل تعتبر أن من مسؤولية الفنان أن ينقل تجربته ويُشعل شرارة الفن في الآخرين، لذلك تنظم ورشات فنية لتعليم الرسم والتلوين، تفتح فيها أبواب الإبداع أمام الأطفال، الشباب، وكل من يريد أن يعبّر عن ذاته، بأسلوبها القريب من القلب، ولغتها البسيطة والمحفزة، تخلق فاطمة بيئة فنية آمنة، تُعطي لكل شخص الحق في أن يكون فنانًا بطريقته.
أحد أبرز تجليات موهبة فاطمة لبراهيمي هو اشتغالها على الجداريات، فليست الجدران عندها سطحا جامدا، بل صفحات تُكتب عليها قصائد بصرية، تحول الأمكنة إلى لوحات حية، تعكس جدارياتها مواضيع متنوعة، من الطفولة والطبيعة إلى قضايا المرأة والهوية، بأسلوب بصري يزاوج بين التفاصيل الدقيقة والخيال الواسع.
ربما يكمن سر تميز الفنانة فاطمة لبراهيمي في كونها لا تشبه أحدًا، لا تسير خلف موجة، ولا تستنسخ أساليب غيرها، بل تحفر طريقها الخاص، وتنحت أسلوبها بنَفَسٍ صادق ومتجدد، أعمالها تحتفي بالحرية، بالجمال، بالاختلاف، وتمنح المتلقي فرصة للتأمل، وإعادة اكتشاف ذاته من خلال الفن.
في عالم يزداد صخبا، تأتي الفنانة المتألقة فاطمة لبراهيمي كقصيدة مرسومة، تُهدينا لحظات من الصفاء، وتُذكرنا بأن الجمال لا يزال ممكنا، وأن الفن هو أصدق وسيلة للبوح والتغيير، إنها بحق أميرة تتربع على عرش الإبداع، لا بالتاج، بل بالريشة والخيال والإلهام.