التزام شعري خلاق بجغرافية الوطن وتاريخه
تقديم لابد منه
قبل أسبوعين تقريبا، وأنا استمتع بقراءة جديد الشاعرة سميرة فرجي، كان شيطان الكتابة والبوح يتملكني ويلح علي، كلما عبرتُ بيتا، إلا وأشْعلَ في دهني أفكارا من وحي عِمارتِها الشعرية التي شيدتها بتقنياتِ ومعجمِ السهل الممتنع، فأتساءل:
ماذا لو كتب من ينتمي إلى الحداثة الشعريةِ قراءةً عاشقةً في شعر اختارت صاحبته أن تعاند الزمان والتحولات العميقة من جهة، وتتحدى صرامة القصيدة العمودية وضوابطها، لتبدع نصا شعريا حول حدث راهن وقضية مصيرية، خصوصا أن شعرها يمتعني ويذكرني بمتعة قراءة المتنبي وامرئ القيس والخنساء والشنفرى وأبي نواس والحمداني والشابي… تلك القراءة التي غرست في روحي شجرة الشعر الوارفة وأنا في عنفوان شبابي؟
وماذا لو تخطيتُ الخطوطَ الحمراءَ لِتصنيفاتِ الشعر، وتركتُ حروبَ داحس والغبراء بين أنصار الحداثة والتقليد، التي طالتْ بِلا أملٍ في نصر، في زمن تَم رَكْنُ الشعرِ كله، قديمه وحديثه، في زاويةِ اللاجدوى، التي أغلقتْها آلةُ الصورةِ الكسيحة بِقسوةٍ، على انحسارٍ متعاظمٍ، حتى بِتْنا نخافُ من اندحار الكتابِ والجريدةِ والقلمِ وما يسطرون؟
وماذا لو كتبتُ – أنا المغرمُ باتجاهِ السلمونِ نحوَ أعلى النهرِ- هذه الخواطر التي تُشاغِبُني كلما قرأتُ لهذه الشاعرة، لعلني أكرسُ عربونَ احترامي لِلمختلفِ، واعترافي العلني بأن الشعرَ شعرٌ، ليس بالأوزان والقوافي، ولا بالنَّثرِ والمنافي، بل بموهبةِ صاحبهِ وثقافتهِ وكفاءتهِ؟
التزام الشاعرة بالدفاع عن القضية الوطنية
تحتل قضايا الوطن حيزا فسيحا في تجربة الشاعرة سميرة فرجي، وهو ما تؤشر عليه مجموعة من القصائد الشعرية التي تتوزع على دواوينها المنشورة، فعشاق شعرها العمودي الأصيل يتذكرون الرسالة القوية التي سبق أن وجهتها للأمين العام للأمم المتحدة الأسبق بان كي مون، على إثر انزلاقاته المتكررة حول قضية وحدتنا الترابية، لتضع أمامه النقط الناصعة على حروف الصحراء المغربية، بأسلوبها الجميل، بناء وشكلا والقوي موضوعا ومتنا، كما يتذكرون رائعتها “صَبْرُ الكِبار”، كرسالة بليغة وجهتْها لأعداءِ جغرافية الوطن، الذين تَفرَّغوا طِيلةَ نصفِ قرنٍ لمعاداةِ المغرب ومحاولة تفتيت كيانه ولجمِ طموحاته التنموية المشروعة، نَظيرَ ما قدمهُ مِن دعمٍ كبيرٍ مِن أجلِ نيلِ استقلالِهم.
وتبدو الأحداث التي سبقت وتلت كتابة قصيدة “المبحوث عنها”، ذات أهمية بالغة، بالنظر إلى أن هذا النص الشعري العمودي نشر قبل أيام من الكشف عن خلية إرهابية خطيرة، وفي أجواء حرب دعائية هوجاء يخوضها الإخوة الأعداء ضد بلادنا بلا هوادة. لذلك تستهل الشاعرة قصيدتها بالتعبير عن تذمرها وقلقها من وضع وطني تعاظمت شدائده، بينما وحدة نخبه الجريحة شبه منعدمة، متسائلة عن إمكانية كسب الرهان وقد عصفت ريح التفكك بشملنا:
أَنَّى لنَـــا فِي ذِي ٱلشَّـــدائـــــدِ مُـلْـتَـحَــــــدْ
وَتَـــوحُّــــدُ ٱلنُّخــبِ ٱلْجــريحـةِ مُـفـتـقَـــــدْ؟
أَنَّى لنَا كـســبُ الــرِّهـــانِ وشــمْــلُــنَــــــــا
عـصفَتْ به ريـــــحُ التَّفكُّكِ في ٱلشِّـــــــددْ؟
وبناء على هذه التوطئة الشعرية، استعرضت سميرة فرجي كل تقنياتها الشعرية المناسبة لتوجه نقدا لاذعا إلى الأحزاب السياسية، باعتبارها من الدعامات الأساسية لكل جبهة داخلية قوية، إلى جانب النقابات وهيئات المجتمع المدني، وهو نقد ينبني على ما وصلت إليه في تشريحها لواقع هذه الأحزاب عامة والاستثناء لا يقاس عليه:
أحــــزابُـــنـــا كُــثْـــــــرٌ بلا أثـــــرٍ وَهَــــا
هي ذي تناغي الصِّفِرَ في سِفْرِ ٱلعـــــــــددْ
صعِـــدَتْ هنــــاك على مَـــــدارج حلْمنــــا
فـتـنـكَّــرَتْ لِمــواطـــنٍ طلــــــبَ الــمَــــددْ
وتنكَّـــــرتْ يا لَلْعــهــــــودِ لكـــــلِّ مَـــــــنْ
يشكـو الخصاصَ ويـسْتَحِي إِنْ مَدَّ يَــــــــدْ!
أتـــخـــالُها يـــومـــــًا سـتـسْـمـــــو لِلْعـــلا
وتـشِــعُّ في يـدِهـــا مفــاتيــــحُ الأبــــــــدْ؟
أتـــخـــالُهــــا سَـتَـفِــي بمُعْـجِـزِ وعْــدِهـــا
وتـتـيــــحُ للشَّعــــب الكـرامــةَ وٱلــرَّغــدْ؟
لا لَـنْ تُصـــدِّقَ أمَّــةٌ خُـطَـــــبَ الّــــــــذي
أعْـطـــى لها وعْــدًا وأَخـلَـــفَ مَا وعَــــــدْ
أحــزابـنـــــا تَـجْــتَــــــرُّ ألـــفَ حِكـــايــــةٍ
وكَــثَـوْرِ ســاقـيـــةٍ تَــدُورُ بلا مَـســــــــــدْ
أبطـالهـــا وهَــنـــوا وجـــــفَّ مَـعـيـنـــهُــم
وا خـيـبةَ الأوْطــــان إنْ وهَــــن السَّـنـــــدْ
الـكُــلُّ يحــــمــــلُ هــمَّـــــهُ يا صاحـبـــي
مَــنْ ذا سيحمـــل غــيــــرةً هـــمَّ البلــــدْ؟
أعـمـاهُــــمُ سِـحْـــرُ المنـاصــب لم يَـــرَوْا
دَمْــــــعَ المَــرَارة حــارقـــًا يجــري بِخــدْ
وتنبه الشاعرة المراهنين على الأحزاب وهي في وضعها المقلق هذا، إلى أن الأعمى لا يمكن أن يرشدهم إلا للضياع والشرود، لتتساءل تحت وطأة القلق الذي يعتريها، عما سنواجهه في الخفاء وعما سيحصل في المستقبل:
فـــافــطــنْ أيـــا مَـــنْ تَسْتدِلُّ بـكـفِّــهـــــمْ
مَـــنْ دَلَّــهُ الأعــمــــى إلى دربٍ شـــــردْ
يــا عـالمـًـا ماذا نُجــــــابـــهُ في الخَــفَـــا
مُـتـهـيِّـبــًا مِمَّـــا سيُـــولـــدُ بَعْــــدَ غــــــدْ
وبلغة شعرية قوية توجه سميرة فرجي في خطابها الشعري إلى الذين يحتلون المناصب والمقاعد، تحذيرا بكون سلطة الزمان ستزيحهم يوما من مواقعهم وتهوي بهم إلى أسفل سافلين:
قُـلْ لِلَّــذي صَعـــدَ الكـراســي واشـتـهــى
لــو أنــه في حِــضْـــن مـعْــبَــدِهـا خـلـــدْ
ستــدورُ أيــامٌ ويَـصْـعَـــــدُ مَـــنْ هَـــــوَى
وتـــدورُ أيـــامٌ ويـنــزِلُ مَــنْ صـعــــــــدْ
وعلى شاكلة صرخة “وا معتصماه” التي وجهتها امرأة مسلمة إلى المعتصم في وجه الرومي الذي ظلمها، وجهت الشاعرة صرختها “وا جبهتاه الداخلية” لزرع نفحة درامية بإمكانها التأثير في المخاطب واستنهاض همته، طالبة منها نفض غبار الكسل والنوم في العسل عنها، كي ينبعث نَفَسُ التحدي الذي خمد:
وا جـبـهـتــاهُ الــداخـلــيـةُ ” لــمْــلـــمِــي
عــنـكِ التَّـــواكـل وٱبعـثــي نَـفَـســًا خَمــدْ
فالشاعرة استشعرت بحسها الرهيف، هول الأخطار التي تهدد أمن المغاربة واستقرار المغرب، في عالم قلق ومتقلب، وبجوار لا يأمَنُهُ أحد، دعت المغاربة إلى رص الصفوف بجد وهمة، مثلما فعلوا عبر التاريخ:
رُصِّــي ٱلصُّفُـــوفَ بمــا يليـــقُ بدولـــــةٍ
أمجــادُهــــا فــــوق السَّحـاب بـدون حــدْ
كِــدِّي وجِـــدِّي مـا اسـتـطـعْــــتِ بهــمَّـةٍ
فَبِغَيْـــرِ جِـدٍّ كيف نصلـحُ مـا فـــســـــدْ؟
هكذا تربط الشاعرة بين الوحدة والصمود والإصلاح معا، بما هي عناصر إرث تاريخي قبل أن يكون واقعا على الأرض، دون أن تنسى التنبيه إلى أن الجدية هي الوسيلة المثلى لتحقيق الحكامة المرجوة حين تقول:
وبـغـيــر جِـــدٍّ لا حــكـامــــةَ تُـرتـــجَــى
لا شيءَ نُدركــــــه بلا ســعْــــيٍ وكَــــدْ
فالأوطان تتقدم بالتخطيط والعمل المضني والاجتهاد الطموح، وليس بالكلام الكاذب والمال السائب:
وإذا هــــي الأوطـــانُ يومــًا أشــرقـــتْ
فالسِّــرُّ في شـعــبٍ تجـاهــد واجتهـــــدْ
وتَأسيسا على تَمثُّلٍها القوي لقواعدِ الشعر العربي، واستيعابٍها الرصينٍ لمقوماتِ القصيدة العربية في أزهى عصورها وأرقى نماذجها التراثية الأصيلة والخالدة، كما قال الناقد مصطفى الشاوي، فَإنَّ تَناقُلَ العديدِ من الصُّحفِ الالكترونية ومنصاتِ التواصل الاجتماعي، لهذه القصيدة لم يكن مِن بابِ الصدفة، ليس فقط لبراعتِها في الكتابة الشعرية العمودية ولِدِقَّةِ اختيار مواضيعها ومعجمها، ولكن أيضا لما تتميز به من أُفقٍ اسْتِشرافي، فقدْ تنبَّأتْ في هذه القصيدة التي نشرت قبل ثلاث أسابيع، باستهدافِ بلادِنا من طرف المجموعات الإرهابية ومحركيها، كما أشادت ببراعةِ الأجهزتة الأمنية وعيونِ رجالها التي لا تنام، في الكشف عن خلية إرهابية خطيرة عندما قالت:
إنَّ العـــداءَ الخــارجــيَّ يكيـــدُ لــــــــي
مـسْـتـهــدفــًا بمخـطَّــــــــــطٍ أمْنَ البلــدْ
ما كـنـت أحـبــطُ في ســـلامٍ ســعــيَــــهُ
لولا التـيـقـــظ في حُــمــاتــيَ والجلــــدْ
لــولا رجـــــــالٌ لا تــنــامُ عــيـونُهــــمْ
وســواعــدٌ تَبْلــو المخــاطـــرَ في كبَـــدْ
لقد كان وصفها ليقظة المؤسسات الأمنية المغربية ب”العيون التي لا تنام”، موفقا لدرجة جعلت مختلف الصحف والمنابر تَتناقلُها، وهي تُتابِعُ أطوارَ الكشْفِ عن الخلية الإرهابية الجديدة، في تسع مدن، وآخر فصولِها الكشفُ عن أسلحةٍ نارية من نوع كلاشينكوف وبنادق ومسدسات، قرب الحدود مع الجزائر؟
هكذا، تُوَظِّفُ المحامية سميرة فرجي “عيون الوطن التي لا تنام”، لتَصْعدَ رُفقةَ المتلقي، من درجة القلق ومظاهر التفكك والتراخي، إلى موقع القوة وامتدادات الشموخ الوطني الضارب في عمق التاريخ، مُذَكِّرةً الواهمين بإمكانية النيل من وحدة المغرب واستقراره أنهم خاسرون عندما قالت:
أيـظــنُّ أنِّــي عـــنْ رُبـــوعــيَ غـافـلٌ
أو أنّـَني بالصَّـمتِ أجـهــلُ ما حصــدْ؟
مـازال تــرْســيـــمُ الحـدود قــضـيـتـي
سـأذودُ عـنـهـا بالنَّـفـيـــسِ وبٱلْــولــــدْ
وبِبيْتٍ شعري واحد، تنْسِفُ الشاعرة الحملةَ الضخمةَ لِآلةِ الدعاية المغرضة التي لا تستطيع أن تنتج إلا الأكاذيب والأخبار الزائفة والمفبركة، التي طالت رموز ومؤسسات وجغرافية المغرب وتاريخه وثقافته ومواطنيه، عندما قالت:
مـــن ذا يســوِّي بـوقَ زيـــفٍ بالـــذي
مَلَكَ الأَدِلَّــــةَ كــلَّـهــــا والـمُـسْـتـنــدْ؟
وهنا أيضا، تستشرف سميرة فرجي المآل الحتمي لمخططات ضرب البلاد، وهي تذكرني بموقعة الكركرات، عندما تقول:
سـتـفِــرُّ مِنْ غضبِ الـرِّمـــال خيامُــهُ
لِتـجـيـئَـنِـي فـأنـا الــذي بِـيَـدِي الـــوَتَـدْ
وتبدو براعة الشاعرة في هذه القصيدة، وقدرتها على تلخيص معاناة بلادنا مع النظام الحاكم في الجوار الشرقي، عندما توضح أن عقدا آخر مضى من اليد الممدودة لبلادنا، أملا في مستقبل أفضل لبلدينا وشعبينا ومستقبل المغرب الكبير عموما، لكن جوابه كان دائما هو المزيد من العداوة والدسائس والمكائد:
هـــا قدْ مضى عِـقـــدٌ أُهَــدْهِـــــدُهُ فـلا
نـفـــذَت مـكــائِــدُه ولا صـبـري نـفـــدْ
فالـقــي عـليـهِ وهْــجَ عـزْمــكِ وٱخبري
مـن جـاء يـزرعُ فـتـنـةً باســم الحـســدْ
إنْ كـان في قُــرْبِ الأعـادي جـرحُنــــا
فالبُعْـــدُ في شـرعِ العــداوة كالضَّـمــــدْ
لذلك تتأسف من قسوة القدر الذي جعل الكون ضيقا في وجهنا عندما حشرنا مع النكد:
يا قـســوةَ الأقـــدار كيـف يـضـيـقُ بـي
كَــوْنٌ لأُحْـشَـــرَ في الجِـوارِ معَ النَّكَـدْ؟
وبأسلوبها الشعري الرشيق، لا تنسى سميرة فرجي تذكير من يقفز على التاريخ ويتناسى عنوة ذلك الدعم القوي الذي قدمها المغرب والمغاربة لثورة تحرير الجزائر، فكان رده ولا يزال هو الجحود، بسبب عُقَدِهِ المزمنة:
جَــحَــدَ الّـــذي آنسْتُـــه وبِعِــــزَّتـــــي
لو أننـي آنسْــتُ صخـــرًا ما جَـحَـــــدْ
المُلْكُ عُـقْــدَتُـــهُ ورَمْلــــيَ حُـلْــمـــــهُ
فالطــفْ بهِ يا مَنْ بهِ تُـشْـفَـــى العُقــدْ
وتدفع الشاعرة بعملية نَسْفِها لأوهامِ الطامعينِ، إلى درجتها القصوى عندما تضيف:
من قال ” أبنـاء ٱلْأُصـول” تراجـعُــوا؟
وهُــمُ الــذيــن تَــدَافَعُـــوا منـذُ الأمــدْ؟
فوعيُها الحاد بخطورة التهديدات العلنية التي لا يتوقف ذلك النظام الجار على ممارستها في السر والعلن ضد المغرب وطنا وشعبا، يسوغ إلحاح سميرة فرجي بنخوتها الوطنية المتوقدة إلى تقوية الجبهة الداخلية:
يا قُــوَّةَ الــدَّعْـــم المـنـيـعــة شــمِّــري
عَنْ سـاعــديْــكِ لينجـلــي ليلُ الكمــــدْ
صُونِـي الثَّـوابـتَ والمَـرابـع واصمــدِي
فهدفُ الانتصارِ على الاستعماريين الجدد، لا يتحقق على أرض الواقع إلا من خلال الصمود والعزيمة والنضال:
فالنصرُ في عِزِّ الخطُوب لمَنْ صمــــدْ
وذلك مقرون بالتشبث بالثوابت والأصول، في مواجهة عدوان لا يزداد إلا سعارا وجنونا:
وهو الحـفــاظُ على الثــوابـتِ مـطـلبٌ
في صــدِّ عـــدوانٍ تسعَّــر واتَّقــــــــدْ
ولْتُـشـهِـــدي التَّـــاريـــخَ أنَّ ولاءَنـــــا
مـيـثــاقُ حبٍّ لنْ يـزعْــزعَــــهُ أحـــدْ
وشعــارُنــا عــرْشٌ وشـعْــبٌ هَـا هُـنَـا
مُـتَــلاحِــمــان وصَـامِــدانِ إلى الأبَــدْ.
هذه بعض ما أوحت لي به هذه القصيدة التي تتسم بشمولية رؤيتها لواقع الأمر واستشرافها للمستقبل، مِما لا يتسعُ المجال هنا للخوض في كل التفاصيل التي تعلنها أو تضمرها بين سطورها، وهو ما يمكن للقارئ النبيه تلمسه عند قراءتها. لكنني أود أن أختم هذه القراءة ببيت شعري من أجمل وأبلغ ما جاء فيها، ردا على من تخاطبهم من أولائك الذين أعمتهم مواقعهم حتى استهتروا واستخفوا بسلطة الزمن، والبيت يذكرني بتلك الأبيات الشعرية الخالدة التي تحولت إلى حِكَمٍ تتردد على كل لسان، عبر العصور والأزمان، عندما تقول:
ستــدورُ أيــامٌ ويَـصْـعَـــــدُ مَـــنْ هَـــــوَى
وتـــدورُ أيـــامٌ ويـنــزِلُ مَــنْ صـعــــــــدْ
هذا البيت رسالة مزدوجة وقوية، من جهة توجهها إلى الذين تعميهم مواقعهم وكراسيهم الرفيعة، إلى درجة التوهم بأنهم خالدين فيها، لتحذرهم من حتمية السقوط، كما توجهها، في نفس الوقت إلى الذين تجرعوا مِحَنَ القاعِ وأهْوالِه، حتى أظلمت الحياة في وجههم، لتزرع الأمل في قلوبهم وتقنعهم أن بإمكانكم الخروج من النفق والرقي والصعود.
وهنا، أفهم لماذا دفع شعر سميرة فرجي عميد الأدب المغربي الراحل عباس الجراري لكتابة قصيدة في مدح شعرها قائلا:
فريدة ربات الخدور وكوكب // يضيء سمانا ينثر الأنجم الزهرا
بهاء وأخلاق وعلم وعزة // من الشمم الوجدي تلبسه فخرا
فالشاعرة، تتضافر موهبتها الشعرية مع تجربتها القانونية كمحامية، ل”تبهر القارئ وتثير فضوله وترجعه إلى زمن القصيدة العمودية الجميل في أقوى لحظاته وأبهى تجلياته وأرقى نماذجه الخالدة، لأنها تصدر في ذلك عن طبع صقيل وذوق رفيع ودربة عميقة” كما يقول الناقد مصطفى الشاوي. لذلك فلا غرابة أن تترجم أشعارها إلى عدد من اللغات الحية.
محمد بلمو