الراشيدي عبدالمجيد.
يُعتبر الفنان التشكيلي محمد أشرقي من الأسماء الفنية التي اختارت أن تكون شاهدة على العصر، لا أن تهرب منه، فبين ضربات اللون وتوازن الكتلة والفراغ، يشتغل أشرقي على لوحات نابضة بالصدق، لا تبحث عن البهرجة أو التجريد المفتعل، بل عن المعنى، عن الإنسان في أقصى درجات ضعفه أو مقاومته.
الفنان محمد أشرقي لا يرسم الحروف، ولا يهتم بالمعمار كعنصر زخرفي، هو مشغول بالناس، بآلامهم، بتلك اللحظات الصغيرة التي تلتقطها العين فتختزنها الذاكرة، في أعماله، نجد البسطاء في صراعاتهم اليومية، نجد المدن المنهكة، والوجوه التي لا تُنسى رغم غبار الحياة.
لوحاته تفيض بحس إنساني عميق، تتوسل ألوانًا صريحة أحيانا، وداكنة أحيانا أخرى، لكنها لا تنفصل عن وجدان المتلقي، إنه فن لا يطلب فكّ شفرته، لأنه ينتمي للحياة، وللشارع، وللسؤال المُعلق في عيون الناس.
اشتغل الفنان محمد أشرقي بتواضع الفنان الحقيقي، فصقل تجربته بالصبر والتراكم، وجعل من كل معرض نافذة لرؤية جديدة، وفي زمن أصبحت فيه السطوح هي المعيار، اختار أن يغوص في العمق، أن يكون فنانا بالمعنى الأخلاقي والجمالي للكلمة.
الفنان التشكيلي محمد أشرقي، بهذا المسار، لا يكرس فقط تجربة فنية ذات خصوصية، بل يكتب – دون كلمات – يوميات هذا الوطن من خلال ريشته. ريشة لا تخاف أن تفضح الألم، ولا تتردد في الانتصار للجمال، مهما بدا هشّا أو منسيّا، إنه من أولئك الفنانين الذين لا يرسمون ليملؤوا الجدران، بل ليملؤوا الفراغ الذي يتركه الغياب والخذلان.
ومع كل لوحة يوقعها، يترك أشرقي أثرا صغيرا يشبه الضوء في نفق مزدحم، أو مثل دفء خافت في مساء بارد، إنها رسالة الفن حين يكون صادقا: أن نرى أنفسنا بعيون فنان، وأن نجد بعض عزائنا في ألوان لا تكذب.