الثلاثاء 29 أبريل 2025 – الرباط
كما ينبغي أن يكون في دولة القانون تكون كل مبادرة تشريعية من الحكومة موضوع نقاش ومراقبة وتصويت من قبل البرلمان ، ويكون كل نص معروض على البرلمان من قبل الحكومة موضوع نقاش ومراقبة من قبل الرأي العام.
ولقد حظي قانون المسطرة الجنائية المحال اليوم أمام البرلمان، باهتمام واسع تمثل في مناقشته منذ شهر شتنبر الماضي من قبل فئات واسعة وخصوصا من السياسيين والقانونيين من الجامعة والمحاماة والقضاء، ومن هيئات مدنية وحقوقية مختلفة..
يندرج إصلاح قانون المسطرة الجنائية في إطار ديناميكية تحديث النظام القضائي، بهدف تعزيز فعالية العدالة الجنائية، وضمان حقوق المتقاضين، والاستجابة للتطورات المجتمعية والأمنية والتكنولوجية.
ويمكن القول بأن النص أعجَب وأغضب…
واختلطت فيه الخلفيات السياسية والأمنية والقضائية والحقوقية…
وهذا الأمر طبيعي وعادي لكون النص لا يعني الحكومة أو البرلمان أو الوزارة المكلفة بالعدل فحسب، بل النص مرجع أمة ومجتمع، ومن الطبيعي أن يشغل بال المؤسسات والقطاعات والهيئات الحقوقية والمواطنين.
ولما كانت ديباجة المشروع تعلن نواياه وأهدافه الاستراتيجية لإقامة سياسة جنائية بالأساس تعتمد تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة ، و نجاعة آليات العدالة الجنائية من الضابطة القضائية و مؤسسة النيابة العامة ومن قضاة التحقيق وقضاء الحكم، للتصدي للجريمة و مكافحتها في توازن يسير في اتجاه العناية بالضحايا وضمان حقوق المشتبه فيهم والمتهمين مع السهر على معالجة ظاهرة الاعتقال الاحتياطي و النظر في تنفيذ العقاب بما يرفع منسوب وقف حالات العود و تحقيق ادماج السجناء وإيجاد حل لواقع السجون وما تعرفه من اكتظاظ و اختناق
فإن المشروع القانون الذي تضمن تتميم وتغيير وإضافة ونسخ مواد متعددة التي جاءت مفصلة في الكتب الثمانية الجامعة للمشروع والموزع على 5 مواد، والمشتملة كلها على أكثر من سبعمائة مادة، لا تخلو من تعقيدات في صياغتها وفي بنائها وفي ترتيبها، وتسائلنا كمنظمات المجتمع المدني لأداء دورنا الدستوري والمجتمعي بكل الموضوعية والشفافية لدراسة المشروع تحليلا ومرافعة من أجل ملامسة ما به من ايجابيات، وسبر أغواره لكشف ما يحتاج منه للتجويد أو للتعديل أو الإضافة أو الإلغاء أو الحذف…
وشعوب العالم اليوم وهي تواجه المجهول أمام انتكاسة قيم ميثاق الأمم المتحدة في السلم والسلام وفي حماية حقوق الإنسان وإِعْمالها، وفي أقدس حق له وهو الحق في الحياة والحرية ، ويقف أمام أهوال الحروب القاتلة والجرائم ضد الانسانية ومن أبرزها ما يتعرض له الشعب الفلسطيني على مرأى العالم من قبل الكيان الصهيوني … ويتحمل وحشية سياسات اليمين والتطرف وبشاعة الأنظمة الديكتاتورية الجديدة التي تهدف بسط نفوذها وقوتها على الشعوب عير العالم….
فإننا بالمغرب لا خيار لنا سوى التشبث بخيار تعزيز خيار المقاربة الحقوقية في السياسات العمومية التي وحدها يمكن أن حقق لمجتمعنا انتصاره على التخلف والفساد ، وتربطه بحبل التضامن والأمن والاستقرار ليكسب رهان التنمية ولديمقراطية وسلامة الوطن والمواطن…
و من هنا، لابد لنا أمام مشروع قانون مهم وخطير و أساسي مثل مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي سيطوي صفحة من تاريخ العدالة الجنائية مند استقلال المغرب، وسيفتح أخرى جديدة، من أن يأتي بفكر و بثقافة تتماهى مع أبرز التوجهات العالمية الفضلى في مجال السياسة الجنائية ، كما تفرضها المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان و كما استقرت عليه التجارب القضائية الدولية ورأي كبار فقهاء علوم المحاكمات العادلة ومدارسها ، والتي استقر حولها كذلك رأي هيئة الإنصاف والمصالحة ورأي كبار فقهاء العلوم الجنائية بالمغرب، و التي يعتبر المرصد المغربي للسجون إن البعض من أهمها يتمثل في :
الإقرار بكل ما يخدم ويسير في منهج تعزيز حقوق الدفاع والحق في المساعدة القانونية وفي حضور المحامي مع المشتبه فيهم والمتهمين منذ اللحظة الاولى الى نهاية مدة الحراسة النظرية ومنها لحظة قراءة والتوقيع على الحاضر، وفي كافة مراحل التقاضي.
تقوية قرينة البراءة ودعم مكانتها كمنهج واختيار دستوري حقوقي تشريعي أخلاقي وإنساني يفرض صياغة جديدة لموقع المحاضر في الإثبات ويعالج بوضوح أساليب مراقبة كتابتها، والوقاية من كل ما قد يفسد أطوار الحراسة النظرية من ممارسات منافية للمشروعية والتي قد تلحق الضرر بالسلامة البدنية والنفسية بالأشخاص…
خلق وإقرار توازن حقيقي بين صلاحيات الضابطة، والنيابة العامة، وحقوق الضحايا والمتهمين أمام القضاء دعما للمساواة امام القضاء…
تقوية واحترام مكانة قضاء التحقيق وقضاء الحكم وصلاحياتهما واستقلالهما ضمانا للمحاكمة العادلة القائمة على منهج حقوق الإنسان…
الحرص على تنظيم استخدام التكنولوجية والبحث العلمي وتقنية وسائل الاتصال (تكييف الإجراءات مع التحديات الأمنية والتكنولوجية الجديدة) عن بعد بمناسبة التحقيقات والأبحاث الجنائية، والتعاطي بحَكَامة وبنجاعة مع الممارسات الأمنية والقضائية فيما له علاقة بالمساطر، ومنها مساطر التحقق من الهوية والاختراق والتفتيش الجسدي وغيرها…، بكل ما يحافظ على مقومات حماية قرينة البراءة والحياة الخاصة و السر المهني…
الإقرار بحق التعويض عن الاعتقال الاحتياطي لفائدة من صدرت احكام ببراءتهم وذلك احتراما للحرية ومكانتها الدستورية والقانونية
والمرصد المغربي للسجون بشراكة مع منظمة محامون بلاحدود وهما يدعوان لتنظيم الورشة الحالية في إطار مشروع: ”تعزيز دور المجتمع المدني في إصلاح المنظومة الجنائية في المغرب” بدعم من الاتحاد الأوروبي، ويرافعان من أجل مسطرة جنائية من جيل جديد، تخدم مغرب المستقبل محصن بقاضي مستقل وبدفاع حر، يتطلعان إلى أن تشكل هذه اللحظة مناسبة للوقوف على جديد قانون المسطرة الجنائية وحجم الإصلاحات المنجزة في هذا الباب.
وستكون للورشة وللمشاركين في إعطائها الطابع العلمي باجتهاداتهم وبتحليلاتهم باقتراحاتهم، فرصة للحوار ومناسبة لتقييم مسؤول لمضامين قانون المسطرة الجنائية وما يمكن أن تجسده في أفق تطوير فلسفة وحكمة وإبداع الفاعل السياسي والفاعل التشريعي لجعلها موعدا مع تاريخ دعم دولة القانون والمؤسسات والتنمية.
المرصد المغربي للسجون / منظمة محامون بلا حدود