كرس دستور 2011 حقوق الإنسان بشكل واضح، حيث خصص بابه الثاني كاملا (21 فصلا) لهذه الحقوق أسماه ب”الحقوق والحريات والأساسية”. ووفي ارتباط بهذه الحقوق وللنهوض بها وحمايتها نص الدستور أيضا على إحداث مؤسسات حكامة جديدة وأقر بدستورية مؤسسات أخرى حيث خصص لذلك الباب الثاني عشر الفصول (154-171) موزعا إياها إلى هيئـات حمايـة حقـوق الإنسـان والنهـوض بهـا، وهيئـات الحكـامـة الجيـدة والتقنيـن وهيئات النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية.
ويأتي كل ذلك تتويجا لانخراط المغرب في دينامية دولية تجسدت في المصادقة على جل الاتفاقيات والعديد من البروتوكولات الاختيارية الملحقة بها ، وإبراز مكانتها بالنسبة للقانون الوطني، وفي ذلك تعبير عن إرادة سياسية فعلية للدولة في كسب رهان حقوق الإنسان والديمقراطية بالبلاد.
وما زالت هذه الدينامية متواصلة، حيث تم في مارس 2022 إيداع أدوات التصديق على البروتوكولين الاختياريين المتعلقين بالشكاوي الفردية الخاصين بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
بيد أن هذا الزخم من الالتزامات الدولية والبنيات المؤسساتية يطرح إشكالية التكامل والنجاعة والاختصاص خدمة للهدف المتوخى منها، خاصة إذا أضفنا إليها البنية المؤسساتية المحدثة ضمن الجهاز التنفيذي من جهة، والعلاقة مع المؤسسة التشريعية من جهة ثانية.
لقد برز من خلال التجربة المغربية، التي دامت إلى حد الآن أكثر من عقد من الزمن، عدد من الأسئلة ذات الارتباط الوثيق بمؤسسات الحكامة ومختلف أدوارها في إدارة حقوق الإنسان ببلادنا.ولعل أبرز الأسئلة المرتبطة بهذه التجربة تتمثل في:
- سؤال احترام المبادئ والممارسات الفضلى الدولية التي تؤطر إحداث مثل هذه الآليات وتدعوا لإحداثها، وخاصة مبادئ باريس التي ظلت المرجع الأساسي الذي يجب الاحتكام إليه عند إحداث مؤسسات وطنية ذات ولاية عامة أو خاصة. حيث يلاحظ أن بعضا من هذه المؤسسات في التجربة المغربية قد تمكنت من تطوير الإطار القانوني المنظم لها على ضوء مبادئ باريس منذ اعتماد دستور 2011 ، في حين أن القانون المحدث مثلا لهيأة المناصفة ومكافحة جميع أشكال التمييز المنصوص عليها في الفصل 19 من الدستور، والتي لم يتم إحداثها إلى الآن، لم يعتمد هذا التوجه مما سيفقدها مقومات المؤسسة وطنية؛
- سؤال العضوية: ففي الوقت الذي نجد فيه أن هناك عددا من المؤسسات لم يتم تجديد العضوية بها منذ سنوات، يلاحظ أن تركيبة بعضها الآخر يخضع إلى هذا الحد أو ذاك لحسابات سياسية اعتمدت بالأساس على عنصر الموالاة، وتغاضت عن معايير العضوية المطلوبة من حيث المهارات المهنية والمعرفية في مجال حقوق الإنسان واستحضار مقاربة النوع وغيرها من العناصر المطلوبة والمنصوص عليها في مبادئ باريس.
- سؤال التكامل بين عمل مؤسسات الدولة لضمان تحقيق الأهداف المتوخاة من إحداثها، خاصة مع يلاحظ أحيانا من توترات تأخذ أبعادا إعلامية وسياسية بل وفكرية
- سؤال علاقة كل من السلطة التنفيذية والتشريعية مع هذه الهيئات وتعاملها مع الآراء الاستشارية التي تصدر عنها وفي ارتباط بذلك تبرز مسألة ذات أهمية تتعلق بمدى احترام المقتضيات القانونية التي تنص على ضرورة تقديم هذه المؤسسات لتقرير سنوي أمام البرلمان، وهو الأمر الذي لم يتحقق إلا مرة واحدة خلال كامل هذه الفترة، مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حيث ينص الفصل 160 على أنه ” على المؤسسات والهيئات المشار إليها في الفصل 161 إلى الفصل170 من هذا الدستور ( أي مؤسسات الحكامة) تقديم تقرير عن أعمالها، مرة واحدة في السنة على الأقل، الذي يكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان”
- سؤال الاستقلالية، خاصة بعد إحداث الآليات الوطنية الثلاث (التعذيب، الطفل، الإعاقة) داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان مما يطرح السؤال حول وضعيتها ودورها وحدود أدائها منذ أن تم إحداثها، خاصة أنه لا يمكن أن تقاريرها هذه إلى إلا بعد المصادقة عليها من طرف الجمعية العامة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
- سؤال التراكم ضمن تجربة المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان ومدى احترام حدود صلاحياتها، والقدرة على التفاعل الدائم مع مختلف الآليات الأممية بمهنية عالية وفي الآجال المحددة، مع تقديم الاستشارة والاقتراح لباقي المكونات الحكومية المعنية.
لقد مرت أكثر من عشر سنوات على إحداث هذه الآليات الأمر الذي يسمح باستخلاص دروس أولية لقراءة ومساءلة ما تحقق وما بقي عالقا، مع ما يطرحه ذلك من أسئلة مرتبطة بوثيرة إعمال مقتضيات الدستور، ودرجة التراكم الذي تحقق، وإشكاليات الإضافة النوعية لكل هذه الترسانة، مع استحضار الضوابط الدولية المؤطرة لها وما أفرزته خلال هذه المرحلة من تساؤلات وأجوبة وانشغالات.
في هذا السياق وسعيا إلى تعميق النقاش في مختلف هذه القضايا ينظم مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية بتعاون مع مؤسسة فريديريش ايبرت الألمانية، خلال شهر نونبر 2022، ندوة تحت عنوان “مؤسسات الحكامة وإدارة حقوق الإنسان”، بمشاركة عدد (حوالي 50) من الخبراء والأكاديميين الباحثين والناشطين في مجال حقوق الإنسان والإعلاميين.
ويندرج هذا اللقاء ضمن محاولات تسليط الضوء على هذه التجربة وتلمس خلاصاتها بما يعزز النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها، وتطوير الأداء المؤسساتي في كامل أدواره من أجل النهوض بهذه الرسالة من جهة، والوقوف على مواطن الخلل التي قد تكون اعترضت اضطلاع هذا النسيج المؤسساتي بأدواره، أو كشفت عن تداخل أخرى وتراجع.
وتحقيقا لهذه الغاية سيتم تناول موضوع اللقاء من جوانب وأبعاد مختلفة تتمثل في:
- إدارة حقوق الإنسان، المعايير الدولية والدور المؤسساتي؛
- قراءة في تجربة مؤسسات الحكامة
- البعد التواصلي وولوج المعلومة في تجربة مؤسسات الحكامة وحقوق الإنسان؛
- البعد الترابي في تجربة مؤسسات الحكامة في مجال حقوق الإنسان
- حكامة حقوق الإنسان والتكامل المؤسساتي
- إدارة حقوق الإنسان والآليات الدولية.