تقديم
إن عملية قراءة العرض المسرحي ليست بسيطة وإنما يندرج ضمن هذه القراءة التي تتم على الدرامية وعلى اختراق الحدود المفروضة على الفكر المبدع والتأويل المسرحي المتجدد، من تطلب مني شجاعة في التطرق إلى هؤلاء المسرحيين الثانيين وشهد المسرح بأجسادهم، وكلامهم وبراعتهم الجمالية، دون الانخراط في القراءةالمغلقةأو الأرتودوكيسية.
فهذه الجماعة هي موقف مختلف ينتقد فيه الطرح الثابت، والطرح الفيولولوجي الإبداعي حول قراءة النصوص لذا اتخذ كل واحد لنفسه طريقة يستند فيها العلوم العربية الفنية والتراثيةوالإنسانيةلأن هذه الأفكار عندهم هونقد التفكر المغلق لما يشوبه من رؤى مقدسةتهدف من ورائه دراسة النص دراسة موضوعية وتجريبية وفنية. لأن تحجر النص والتطرق النظري والشروحات الموروثة هي قراءات غير كافية لأنها لا تفكك المتخيل الراكحي، بل تعتمد الدوغمائية التي تسيج الممنوع إذن كيف ينبغي التفكير في هذا الطرح الدوغمائيلدى حسن العلوي أسئلةتقربنا إلى علمية موضوعة تابعة متى كل خط مفتوح يزعم أنه يمتلك الحقيقة كما يقول تصر حاملا أبو زيد، بل يعتمد الحفريات لتفتح للنص الممسرح انبعاثه وتأويله لكل الإبداعات الأسطورية والرمزية والذاتية لأنخلخلة التراث هو فتح للنص الذي يروم من ورائه بناء معاني وتصورات جديده(1).
إن بعض المعالم الكبرى لدراسة العروض هو المشروع النقدي المطروح في هذا الحقائق خاصه للخشبة ليتسع للدرس والتكوين، ومن العسير على أنه تناول جميع القضايا المسرحية والفكرية لما يعتريها من تناقضات وتعاقد في المضامين والمعارف لدى المخرج المراني حسن لذا حاولت أن أتجنب القراءة الاستقاطيةوالاختزالية مع اختيار الفعالية والجاهزية في قراءة النص المسرح من لدن المخرج.
رهانات القطيعة عند حسن العلوي
إن هذه التجارب المسرحيةفي تجلياتها للنص المقدس يلقيه السكون والصمت، يجعلنا اليوم خارج هذا الطرح المعرفي والفكري ويقول مختارفي كتابه نقل العمل الإسلامي “لا يستطيع أن يفكر ولا يريد أن يفكر في مفاهيم القيم الحداثية تفكير معرفيا مؤسساتيا، وهذا التمسرح لدى المخرج هو تكييف العلامات بلغة بارت كما بدا الاهتمام عنده بالعرض الممسرححيث لا يمحى أو ينسى ترغي كل المناهج حيث جرادكلي النصوص من هيمنته معتبرا إياه مجرد نواه من أنوية التمثيلية ونسق من الأنساق التجريبية، حيث يصبح المتفرد مراجعا ضمن المرجعيات الغربية والعربية، لذى عمل حسن العلوي بإعادة قراءة النصوص المختارة وجعلته ينتقل من فعل الاستنباط إلى الاستقراء الموضوعي لكي تبني لنا قانونا جديدا يكون فيه هو السيد والعبد والغني والفقير والشيخ والشاب .
فابتعاد المسرح عند هيمنة الكلمة المقدسةحسب الاحتفالية واستخدام الحركة الجسديةالإيحائيةجعل اللغةالحركيةتتجدد بتجدد الحاجة والعصر وهذا التجدد يلزمني بالوقوف على مسألة جوهرية وهو الجسد والتوازن اللغوي، حيث القاموس الاحتفالي، حيث لعبت الإضاءة دورامهما في الارتقاء بمجموعةالمؤشرات البانية للعرض دونه استحضار الثابت والفاني، بل هدف المخرج هو الانتقال من الكائن إلى الشخصية الممسرحة. ومنحه اللذةوالإرادة مما يؤكد شوبنهاور، وبرشيد في اوغانونهليوسع مدارك المسرح وليرتبط بما هو ذاكرتي وشعوري وما هو جسدي وقيمي وفني وحركي باعتبارها أنويةتمتيكية مفتوحة وقابلة للتأويل والتفكيك.
فعندما نتحدث عن حسن العلوي المرانيالمراني، نتكلم عنه إنسان المبدع القارئ المخرج نتكلم عن الشخص الذي غير وجه حياته باعتماد على الذاتيةكاستراتيجية حضورية تربط بين الكائن والممكن، والثابت والمتحول، فلقد وطد العلاقة مع المسرح لكي يخرج من الكائن إلى الشخص، ومن المألوفية إلى التحرير،لأن المسرح خلق فيه الدهشة لكي لا يكون في هذا الوجود كدرة في الهواء كما يقول ادورتو، بل كسر هذه المعيارية لكي يجعل الوجود لغير ذاته هكذا شرب حسن العلوي المراني من كأس المعاناة ليكون ديو جيبنسا حاملا معه قنديلا مضيئا في النهار ليبحث في هذا الوجود عن الحقيقةفلم يجدها إلا في ارغانون البنية والتقنيات الموضوعيةوالتاريخية الممسرحة ودون تتجاهل الايديولوجية واللحظة التاريخية والاجتماعية والتجريبية، لذا يمكن تقسيم التجربة عنده إلى أقسام متنوعة، فالمرحلة الأولى يمكن تسميتها بمرحلة الهواة حيث جعل المسرح رؤية العالم وكأنه الوعي الممكن وهو الناطق في كل تجربة هوائيةوهذا المنظور ينتزع عن العملية الإبداعية هالة القداسة والخلق ويطيعها في سياق تاريخي جدليقوامه الصراع والتفاعل(2)وحسن العلوي جعل العرض المسرحي هو الذي يضبط النص في تمفصله الحقيقي لذا امتاح رموزه من الاحتفاليةكمسرحيةواسمع يا عبد السميع والعين العلي والخلخال(3).
ومسرحية خيطا نوا المجنون الذي نال بها أحسن إخراج في المسرح الاحترافي بمكناس سنه 1996 ونال عبد الكريم برشيد جائزةللتأليف مما أهلها بهذا العرض أن تتمثل المغرب 1997 كأول فرقة عربية افريقية وبعد هذه التربيةالكمية المتنوعة الطويلة، شاركت الفرقة في المهرجان العالمي بموناكو ونالت إعجاب الجمهور والصحفيين والنقاد، وهذه النقلة النوعية جعلت المخرج حسن العلوي ينتقل من الهواة إلى الاحتراف ليستقرئ مختلف السيارات الدرامية المغربية والعربية كمسرح والشهادة للمرحوم محمد المسكين، ومسرح السيكو اسطوري لمحمد الكغات وهذا التنوع الدرامي دفعته إلى تجاوز كل الأنماط الدرامية التقليدية وكل خلفيةإيديولوجية. التي تضرب في الصميم قواهم الرؤية المتعالية والمشيدة بالثقة في سكونها ومطابقتها، وتقول المخرجة الرومانية في هذا الصدد ولكن نحاول إعادة التوازن المفقود إلى أدوات وعناصر التعبير المختلفة فقد أطر التاريخ بعناصر تعبيرية كثيرة، فاعتمد على اللغة وحدها، لذا لعب المخرج حسن العلوي دوره في الارتقاء بمجموعة النصوص الحداثية كنص عبد اللطيف اللعبي وعلى بعض المؤلفين العالميين كرؤية حداثية تجريبية متنوعة المصادر ومختلفة الرؤى، جاعلا من التمسرح تكتيفا وأرضية لتمسرح أساطير معاصرة وبغداديات، وأبيضا تمارين في التسامح وحصل على عدة جوائز كالإخراج والتأليف، والتشخيص لذا عمل حسن العلوي المريني بالانتقال من النص إلى إخراج مسرحية “لعبة الحرية “كنص عالمي للبولوني فارتين صفو مير قبل أحداث الربيع العربي وخلق ضجة بالجزائر لأنه يتكلم عن الربيع العربي قبل الربيع العربي وشارك عدنان الموسيمي وخالد النرويشي، في هذا التمسرح الركحي، الشيء الذي جعل النقاد يعيدون قراءة هذه المسرحية انطلاقا من أبعاد سياسية واجتماعية، حيث أصبح فيها الممثل هو الحامل صخرة المعاناة الجماهيرية العربية التي لم تستطيع أن تغير ذواتها بل اكتوت بنار الصمت المطبق باعتبارها علامات هي حسب تعبير رولان بارت، لذا خلخل النصوص من هيمنتها وانتمائها ومن مكوناتها الكليانية لكي يجعل منها متعددا يربط بين الممثل والجمهور والإدراك المعرفي حسب تعبير يوري لوتمانفهذه القراءة الدرامية التمسرحية تجعل البعد الجمالي يبتعد من البسيط إلى المركب ومن التذوق إلى عملية التواصل الإيحائي الرمزي وهذا التحول المنهجي هو تحول إبداعي يحمل دلالته التاريخية الدراميةوالتفسيرية والتأويلية ويجعل المتلقي يتنازع مع المبدع المفسر على العرش الموروث، وقبوله بدور أكثر تواضعا حسب تعبير نهاد صليحة.
إن التجريب عند المخرج هو عبارة عن فعالية جمالية ونظرية نقدية راجعة بالأساس الاهتمام بالمتلقي كطرف مشارك وفعال وذات في العملية التمسرحية فالمخرج هو الذي يحدد ماهية العرض عن طريق الإدراك الحسي والجمالي ويمنح للنص الممكن لكي يكون له وجود فعلي وأساسي ولقد مسرح العلوي المريني العديد من المسرحيات من أهمها:
– هي والقيد – اللياموأليام – الكود – البلوكاج – بور شويت
ومن بين المشاركيناللذين ثوروا هذه النماذج الدرامية:
– حميد الطالبي -نسرين المناجي
– خالد الزويشي – لبنى مستور
– النخيلي جواد – سفيان
– عدنان المويسي – إيمان الممثل
وسينغرافيا عبد الفتاح بن عدنان
وادريس سنوسي والعرقوبي
وعبد المجيد الهواس (اسينوغرافيا) ونالت في المهرجانمكناس وتطوان وخريبكة عدة جوائز سواء في التمثيل وأخرج أيضا مؤلف حسين الشعبي هذه المسرحية التي هي الساروت التي تتحدث عن أيام الرصاص والاعتقالات التعسفية التي طالت المثقفين والسياسيين والمفكرين، حيث كانت صرخة مدوية أمام السلطةالحاكمة وهذه الصرخة هي بمثابة التعرية للكائن قصد البحث عن الممكن، وهذا ما فعله المخرج حسن العلوي على خشبة المسرح إذن فهذه العملية التجريبية الحداثية جعلته يتجاوز كل المتارسينبالإبداع الشعري التمسرحي بلغة دراما تاريخية تعمل على توحيد بين البنية التحتية والبنية الفوقية. فالكتابة هي الواسطة بين اللغة والأسلوب فهي عبارة عن معطى اجتماعي وكذا البعد البيولوجي الذي يغاير الممكن ويقرب كل تعريف عن المؤلف لكي لا مجرد الفكريوالسياسي، والأخلاقي، لذل يمكن اعتبارها أنها منطقة الإبداع الممكن، وأيضا الممارسة التمسرحية الممكنة فهي مجال لممارسة الحرية لأن اللغة الإبداعية هي الاختراق للنهائي والثابت دون السقوط في البيولوجي والصوري والانفصال عن القوة الاجتماعية فهي تمرد ضد السلطةوبين الكائن الممكن، ضد المجتمع وضد البيولوجي/ فهي جدلية بين الحرية والضرورة.
فالكتابة هي موضوعالشعريةوهي حرية تعترف بالآخر(الحيوان/ الإنسان في صورته الجماعية (اللغة) والفرضية (المتلقي). وهذا الاعتماد على المصادر المتنوعة والمتكاملة جعلت حسن المراني يعيد لهذه الذات الممسرحة أناها لكي يختبر العالم ويتفاعل معه، لذا صارت الذات مركز الصراع بين النظريات كما في مسرحية حمار الليل، وأساطير معاصرة، وصراع الأخلاق كما في الكود، لذا علمنا المخرج أن هذه الذوات هي كيان مميز في قلب العملية الاجتماعية والثقافية، وأن تصبح مركز الهوية على مر الزمن، إذن فالخطاب لدى حسن العلوي المراني هو تحرير الذات الإنسانية من التصوف والخرافات كما في مسرحية تمارين في التسامح، حيث تهدف هذه المسرحية للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالوجود الإنساني، والمعنى، والأخلاق وذلك من خلال الخطاب العقلاني والتفسير الوجودي. كل هذا يتم بواسطة لغة درامية وأسلوب حداثي كما يرى جيمسون في ما بعد الحداثة ص: 193، فهذا الادعاء الأساسي في القول الدرامي هو أن وعي أي مجتمع وهويات الذوات التي تشكله تقوم على الطرق التي ينتج المجتمع من خلال الوسائل المعلوماتية كما في مسرحية بورسويت، والكود، إذا فالمسرح عنده هو تحقيق المشروع الحداثي للحرية كما في مسرحية رحلة الخلاصي لعبد الحق الزروالي، حيث تتميز بتمثيلها الثقافي والشكلي وسياقها التاريخي، فإنها تخلق مشكلة في إمكانية المعرفة التاريخية والإنسانية، لأن حضور الشخصيات كالطبيب، والنساج، والشاعر والمغامر والهاربة كلها تساعدنا على البحث عن الحرية خارج أسلاك الحداثة، وهذا الاستطراد الجدلي كان ضروريا لفهم مرجعيات المخرج من أجل فهم سؤال: أين نحن من التكنولوجيا، والحداثة والعولمة، والإرهاب؟ كلها أوصاف تطبع الهيمنة دون أية مساءلة، لذا عمل حسن العلوي المراني على اختراق كل الطبقات الثقافية والذاكرة الدرامية بالعمل على تحريك أرضيتها الصلبة وتحويل موادها الفكرية ومعارفها الأصلية قصد تجدد الأعماق وتبدد الأوهام، لأنه لا يمكن مقارنة واقعنا المسرحي البائس سوى بلغة باتولوجية التي تصبو إلى تقنية علاجية وتشخيص جواني لنظم هذا المعطى الواقعي كما في مسرحية “الكود” و”بورسويت”، إن المخرج في اختياراته لا يختلف عندما قال “المسرح تقنية جمالية وفكرية ومعرفية، لذا فالمسرح يقول ما انفلت من تاريخه خلال مساره الطويل هنا نتلمس رهانات مستجدة، حيث لم يعد للمسرح غاية في ذاته، بل هو فلسفة آنية وهامشية تحمل سلطتها وصفاتها الاستعارية لتكسر كل ما هو مألوف وثابت، لذا يدعونا إلى عدم تقبل العرض الدرامي كما هو، بل لابد من تغيير أفق انتظار الجمهور، فهو الذي يقوي شوكته، وتتعدد فرص ترميم رسالته، ولا أن نقف أمام هموم الواقع وأسئلته، ولا يجب أن ندع اللعبة الدرامية في مستواها الفكرين وإنما في تقاربها مع حركة وصيرورة التاريخ الذي نعيشه، فنحن اليوم بحاجة إلى أحلام درامية ما بعد كورونا، وإلى أدوار فعلية ومواقفة شجاعة من القضايا التي يطرحها الواقع المتحول.
إن المخرج حسن العلوي يرى أن ما ينقصنا ليس المسرح وإنما النقد المسرحي الذي يتحرك ضمن حلقة تفكير وبحث وتملك في الآن ذاته القدرة على المواجهة أيضا، لذا ترى الدكتورة بن المداني ليلة أن حسن العلوي يمثل امتداد للتجارب العربية والغربية، ولا يقف عند حدود النص، بل يحاول أن يولد منه نصوصا جديدة، وهذا التوليد الدرامي جعلته ينفرد بمنهجية مختلفة عن التجارب المغربية، لأن المسرح عنده لا يتحدد في رفع الشعارات، وحجب الواقع العربي بالخطابات الجاهزة والمؤسسة سلفا، لكن دوره هو تفجير هذا الصمت لكي يفصل في الأفكار وينصهر في التاريخ الدرامي من أجل فتح الحوار والتساؤل وتضيف الدكتورة بن المداني ليلة أن فن الوعي بالحدود الوجودية التي لا انفكاك عنها، ووسط هذا التنامي يمكن فتح نوافذ التواصل ومنافذ التداول، فالتناهي ليس أنا وحدية على طريقة فتغنشتين وإنما وعي أو يقظة تتيح للممثل التماس الأفاق الواسعة والغوص في أعماق الجسد والنفس، والجمال، والذوق، لأنها الصيغة التي ترتب علاقة المخرج بذاته وبموضوعاته وترسم أقاليمه قصد استثمار أدواره وأحلامه، ويضيف فريد بوزيدي بأن حسن العلوي بأنه مخرج وقارئ متميز، يشتغل دوما على الجديد، ويبهرنا في أعماله المسرحية، ويساعد الممثلين في البحث عن الشخصيات التي تكون مطروحة في النص الدرامي ولا يفارق الممثل، بل ينصت ولا يتركه وحيدا، ولذا يساعده في إيجاد شخصية التي تلائم دوره، وقد ساعدته في بعض الأعمال كتقني وكممثل مسرحي.
ومهما يكن من أمر فإن المخرج حسن العلوي المراني يتأمل دوما الشخصيات، والديكور، والموسيقى والإنارة قصد الإفلات من ضمنية الواقع لبناء براديكم جديد يساير التطور التكنولوجي والعلمي كما رأينا في مسرحه.
إذن يبقى المسرح عنده قابل للتفكيك وللتأويل قصد تأكيد على علاقة اللاواعي اللغوي بالبنية الثقافية، لذا قال جاك لاكان أن الإنسان لا ينتج اللغة بقدر ما تنتج اللغة الإنسان. جاك لاكان “شبكة الدوال من كتاب سحر الرمز”، ص: 34 وفي النهاية أشكر كل من ساعدني من قريب أو من بعيد لإنجاز هذه القراءة، وأتمنى له الشفاء العاجل.
الهوامش:
(1)- حامد أبو زيد، الخطابوالتأويل سلطة السياسة وسلطة النص، ص: 111.
(2)- مجلة المسرح- المصريهع 36، 1991، ص: 22.
-(3)Ame ubersfelo “lire le théatrep 26.
إنجاز:
د. الغزيوي أبو علي
دة. بن المداني ليلة