نيويورك، يوليوز 2019
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السيد الرئيسة،
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة المندوبون المحترمون،
حضرات السيدات والسادة،
اسمحوا لي في البداية، أن أعبر لكم عن خالص سعادتي بإلقاء هذه الكلمة باسم المملكة
المغربية، وأن أتوجه بالشكر الجزيل إلى هيئة الأمم المتحدة على حسن التحضير لهذا
اللقاء الرفيع المستوى حول أهداف التنمية المستدامة والذي نتوخى من ورائه تقييم
التقدم المحرز في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مؤكدة على الانخراط الكامل للمغرب
لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في الآجال المحددة لذلك.
حضرات السيدات والسادة،
على الرغم من الجهود المبذولة لإرساء أسس التنمية المستدامة، ما زال المجتمع الدولي
يواجه عدة إشكاليات تفرضها هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ البشرية. ولهذا إننا نعتبر أن
خطة التنمية 2030، التي تأخذ بعين الاعتبار باقي الأجندات الأممية والدولية وخاصة
تلك الخاصة بالتغير المناخي كوسيلة فعالة لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة، ولذا
نهيب بالجميع الانخراط الفعلي وتوفير الوسائل والإمكانيات اللازمة لتنفيذها على أرض
الواقع وتحقيق أهدافها المحددة.
حضرات السيدات والسادة،
منذ أن تم اعتماد الخطة الجديدة للتنمية المستدامة 2030، خلال أواخر سنة 2015،
انخرطت المملكة المغربية في مسلسل التعبئة الجماعية، على المستويين الدولي
والوطني، معتبرة هذه الخطة خارطة طريق وآلية من الآليات الفعالة بغية تعزيز مسلسل
التنمية المستدامة المنشودة من طرف كل الدول. وفي هذا الإطار، ومن أجل تحقيق
أهداف التنمية المستدامة، قدمت المملكة تقرير الاستعراض الطوعي حول أجندة التنمية
المستدامة. وعملت على وضع مخططات وبرامج لتنفيذها
وفي إطار هذه الديناميكية، راهنت المملكة المغربية على إرساء نموذج تنموي مندمج
يمكن من التوفيق بين التنمية الاقتصادية وتحقيق الرفاه الاجتماعي والمحافظة على
البيئة، مع العمل على تعزيز الحكامة والتنسيق بين جميع المتدخلين، وتقوية التقائية
السياسات العمومية، وكذا تعبأة كل الوسائل المتاحة لتحقيق ذلك.
وفي هذا الصدد، تم على المستوى الدستوري والقانوني اعتماد الدستور الجديد للمملكة
سنة 2011، كإطار للعمل من أجل إرساء أسس التنمية المستدامة، والذي كرس الحق
في التنمية المستدامة والعيش في بيئة سليمة. كم تم إقرار القانون الإطار للبيئة والتنمية
المستدامة الذي يعتبر مرجعا للسياسات العمومية في مجال البيئة والتنمية المستدامة.
وعلى المستوى الاقتصادي، تم إعداد وتنفيذ مجموعة من الاستراتيجيات والمخططات
والبرامج تهم مختلف المجالات كالطاقة والطاقات المتجددة، والصناعة، والفلاحة، والصيد
البحري، والسياحة، مع العمل على إدماج بعد المحافظة على البيئة والاستعمال المستدام
للثروات الطبيعية خلال تنزيل مشاريعها.
بخصوص الجانب الاجتماعي، تم تنفيذ العديد من البرامج والمبادرات لتقليص الفوارق
الاجتماعية ومحاربة كل أشكال التمييز ضد المرأة وتعميم التعليم والصحة. ومن بين أهم
هذه المبادرات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
أما فيما يتعلق بالمجال البيئي، فقد تم تنفيذ مجموعة من البرامج من بينها البرنامج
الوطني للتطهير السائل المندمج، والبرنامج الوطني لتدبير النفايات المنزلية، والبرنامج
الوطني لتثمين النفايات، والبرنامج الوطني لمكافحة التلوث الصناعي، والبرنامج الوطني
لمكافحة تلوث الهواء.
حضرات السيدات والسادة،
لقد تعزز انخراط المملكة المغربية على مسار تسريع تنزيل أهداف التّنمية المستدامة من
خلال اعتماد الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030 من طرف المجلس الوزاري
تحت الرئاسة الفعلية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله يوم 25 يونيو
- وترتكز هذه الاستراتيجية التي تم إعدادها بتشاور مع كل الفعاليات الوطنية من
سلطات عمومية، ومؤسسات البحث العلمي، وقطاع خاص، وممثلي المجتمع المدني على
مرجعيات واضحة دستوريا وقانونيا. كما ستشكّل آلية ناجعة لتحقيق أهداف التنمية
المستدامة في أفق 2030.
وفي إطار تنزيل هذه الاستراتيجية على أرض الواقع، تم وضع إطار للحكامة وإعداد
مخطط أفقي يتعلق بمثالية الإدارة، وتم إعداد مخططات قطاعية للتنمية المستدامة بهدف
تنفيذ مقتضيات هذه الاستراتيجية في مختلف السياسات العمومية التنموية.
وسيمكن تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة ومختلف المخططات والبرامج
القطاعية من تحقيق الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر في أفق 2030، من خلال تحقيق
التوازن بين التنمية الاقتصادية واستعمال الثروات الطبيعية والمحافظة على البيئة والحد
من انبعاثات الغازات الدفيئة.
ومن جهة أخرى، ووعيا منا بضرورة خلق الالتقائية والتكامل بين مختلف أجندات العمل
العالمية كأجندة المناخ الدولية وأجندة التنمية المستدامة 2030، فإن المملكة المغربية
تعمل في اتجاه ملائمة مساهمتها المحددة وطنيا للتقليص من انبعاثات الغازات الدفيئة مع
أهداف التنمية المستدامة.
وهنا نؤكد أيضا أن انخراط المملكة المغربية إلى جانب المنتظم الدولي لمكافحة التغير
المناخي هو إرادة ثابتة تجسدت باحتضان مؤتمر الأطرافCOP22 سنة 2016 الذي
عرف نجاحا عالميا، وكذا من خلال اعتماد اقتصاد مخفف من الكربون بنهج سياسة
إرادية تهدف إلى تحقيق التوازن بين تنميتنا الاقتصادية وانبعاثاتنا من الغازات الدفيئة.
وفي نفس التوجه، فقد تم إحداث مركز الكفاءات للتغير المناخي 4C-Maroc الذي
نصبو من خلاله إلى تقاسم تجربة المغرب الرائدة في هذا المجال وتعزيز التعاون جنوب –
جنوب.
وإدراكا منا لحجم التحديات التي تفرضها التغيرات المناخية على مستقبل البشرية، فإن
المملكة المغربية قد حددت هدف خفض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة بنسبة 42٪ في أفق
2030 في إطار مساهماتها المحددة وطنيا والتي أعدت وفق أهداف اتفاق باريس للتغير
المناخي. وسيتم تحقيق هذا الهدف أساسا من خلال تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للطاقة
التي نعمل في إطارها على رفع نسبة مساهمة الطاقات المتجددة في توليد الطاقة
الكهربائية إلى 52 ٪ في أفق 2030 وذلك من خلال عدة مشاريع مهيكلة، تهم الطاقة
الشمسية، والطاقة الريحية، وكذا الطاقة الكهرمائية، وذلك انسجاما مع التوجيهات الملكية
حيث قال صاحب الجلالة نصره الله في الخطاب الموجه إلى المشاركين في الدورة 21
لمؤتمر أطراف الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية المنعقدة بباريس
سنة 2015: بعد أن كان هدفنا بلوغ نسبة 42٪ من الطاقات المتجددة لسد حاجياتنا
الوطنية في أفق سنة 2020، فقد تم رفع هذا السقف مؤخرا إلى 52٪ بحلول سنة
2030 ( انتهى كلام صاحب الجلالة).
ووفق هذا المنظور وبحكم ما توليه بلادنا لهذا المجال، أشرف الملك محمد السادس أيده
الله، مؤخرا على إعطاء انطلاقة أشغال إنجاز محطة نور ورزازات 4 ، المحطة الأخيرة
ضمن أكبر مركب لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم والذي تصل طاقته الإنتاجية الإجمالية
إلى 582 ميغاوات.
وفي إطار تحسين قدرة المملكة على التكيف مع آثار تغير المناخ، شرعت بلادنا بوضع
وتنفيذ المخطط الوطني للتكيف (PNA)، وذلك بهدف ملاءمة اﻷوﻟﻮﻳﺎت اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻣﻊ
اﻻﻟﺘﺰاﻣﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل التغير المناخي؛ وتعزيز القدرة على التكيف بشكل ملائم مع
الأولويات القطاعية وخصوصيات المجالات الترابية؛ وتعبئة الدعم التقني والمالي
المناسب لتحقيق الأهداف المسطرة.
حضرات السيدات والسادة،
وقد ارست المملكة المغربية الأسس اللازمة لتطوير شراكات فعالة وجعلها في خدمة
التنمية المستدامة، بإعطاء بعد جديد لتعبئة وانخراط ومشاركة جميع مكونات المجتمع
المغربي من قطاعات وزارية، ومؤسسات عمومية، ومعاهد البحث العلمي، ومنظمات
مهنية، وقطاع خاص، وجمعيات المجتمع المدني، وخاصة الجمعيات المهتمة بشؤون
الشباب والمرأة، في إعداد السياسات العمومية وتنفيذها، وكذا إحداث مؤسسات مستقلة
للاستشارة كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
وفي هذا الإطار، اعتمدت المملكة المغربية نظاما للحكامة يكرس أهمية مشاركة كل
الفرقاء في تنزيل هذه الخطة وضرورة تعزيز التنسيق بينها لتحقيق أهدافها في الآجال
المحددة لذلك
أيها السيدات والسادة
كما سبق وأشرنا إلى ذلك من قبل، من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا بد من
تعبئة المجتمع الدولي لرفع التحديات المطروحة بهذا الخصوص. ومن بين التحديات
الكبرى التي تواجه جل الدول، وخصوصا دول القارة الافريقية، لتنزيل الخطة الأممية،
هناك الخصاص الحاصل في التمويل الذي يشكل عائقا لتسريع نسبة النمو في هذه الدول.
فالعديد منها يحتاج لزيادة إيراداته على نحو أفضل والبحث عن مصادر تمويل جديدة
ومبتكرة، مع وضع سياسات ومخططات وبرامج ناجعة ومستدامة في مختلف المجالات
التنموية تمكن من تشجيع الاستثمار وخلق الثروة وإحداث فرص الشغل، مع مراعاة
الاستعمال المعقلن للثروات الطبيعية وتثمينها والحفاظ على البيئية.
وقد حُددت طرق التمويل في إطار خطة عمل أديس أبابا (2015) بهدف مضاعفة التمويل
على المستوى الدولي من خلال الآليات الكلاسيكية، أو المبتكرة على حد سواء تشمل
التمويلات المحلية والدولية. حيث سعت هذه الخطة لمعالجة التحديات المستمرة الخاصة
بتحديد وتأمين مصادر تمويل مستدامة لمبادرات التنمية. وللقيام بذلك، ركز جدول أعمال
أديس أبابا على تعزيز التعاون الدولي وتأمين التزامات مُتجددة بجدول أعمال التنمية
الدولية وتقديم المساعدات ومساعدة البلدان الأقل نموًا، وتعزيز الحكم الرشيد والسياسات
الوطنية لمعالجة التهرب الضريبي وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وتعهدت الدول
الأعضاء في الأمم المتحدة بتوفير الدعم المالي الكافي لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة في
جميع البلدان.
أيها السيدات والسادة
إن المملكة المغربية التي انخرطت في هذه الديناميكية الجديدة الرامية إلى العمل من أجل
تحقيق أهداف التنمية المستدامة، تبقى متيقنة بوجوب تضافر الجهود على كل المستويات
من خلال تقوية التعاون الدولي المبني على التضامن بين الشعوب لسير قدما في تفعيل
خطة التنمية 2030. وعليه، نهيب بالجميع الانخراط الفعلي في تنفيذ جدول أعمال أديس
أبابا على أرض الواقع مع تخصيص قسط وفير من التمويل للقارة الافريقية وذلك لتدارك
التأخير الحاصل في تنزيل الخطة الاممية وجعلها قادرة على تحقيق الهدف المتمثل في
وجوب العمل الجاد وبالسرعة المطلوبة لكي «لا يخلف أحد عن الركب
وفقنا الله لما فيه خير شعوبنا التي تطمح إلى ضمان تنمية مستدامة
والسلام عليكم ورحمة الله وبر